تكثفت في السنوات الأخيرة ظاهرة الكتب التي ترصد ظروف بعض الرحلات التي يقوم بها كتاب أو مثقفون إماراتيون لبلدان العالم، يقدمون خلالها انطباعاتهم عن الأماكن التي يزورونها، وبعض المعلومات الطريفة عنها، وكيف يرون المجتمعات والأفراد وتعاملهم مع الأجانب، ومدى تطابق ما يكتشفونه مع ما كان مطبوعاً في أذهانهم مسبقاً عن تلك المناطق وناسها، وكذلك مظاهر الجمال الطبيعي، والعمراني فيها، وهذا النوع من الكتابات هو نتيجة طبيعية لشغف الإماراتيين بالسفر. تتباين نقاط تركيز كتّاب الرحلات الإماراتيين في ما يوثقونه عن البلدان التي يزورنها، حسب تباين اهتماماتهم، ونوعية التخصص أو الثقافة التي يتمتع بها كل واحد منهم، فمنهم من يركز على ظروف العمل وسلوك الناس أثناءه، وواقع الحياة اليومية، حيث يدحض الكاتب وجهة النظر المسبقة عن ذلك البلد، مثل ما فعل الكاتب طلال سالم في كتابيه إماراتي في نيجيريا 2013، ورشفة من رحيق اليابان 2015، ومن الكتاب من يركز على العلاقات الاجتماعية وصفات الشخصية في البلد الذي يتحدث عنه، كما فعل محمد المرزوقي في كتابه إماراتي في الرياض 2013، ومنهم من يهتم بالإبداع الأدبي أو الفني كما فعل محسن سليمان في كتابه المسرح الكابوكي في اليابان 2015 والهنوف محمد في كتابها الطريق إلى اليابان 2015، وهناك من يرصد المشاهد الطبيعية وجمال الأماكن ويوثقها، كما فعل الفنان التشكيلي عبدالله السعدي في كتابه ماغيندا 2009 وهم في كل ذلك يبحثون عما هو مدهش وجميل في تلك الظواهر مما قد يشد القارئ الإماراتي والعربي، ويدفعه لقراءة ما يكتبونه، كي يعيش الشعور الذي عاشوه هم. يسرد طلال سالم في إماراتي في نيجيريا تجربته القصيرة التي قضاها في ذلك البلد الإفريقي الذي يكتنفه الغموض بالنسبة لأي شاب إماراتي لم يسمع عنه سوى ما يبثه الإعلام الغربي، ويرصد الكاتب مشاعر الترقب والتوجس التي سيطرت عليه منذ البداية حين علم بخبر نقله للعمل مهندساً في شركة للبترول في نيجيريا، ومن أهم ما يقدمه الكتاب هو سعي سالم إلى دحض الصورة النمطية التي يقدمها الإعلام العالمي عن ذلك البلد، بوصفه مكاناً مخيفاً ومرتعاً للأمراض والأوبئة والصراعات الدامية، وعلى عكس ذلك، ورغم السلبيات الظاهرة يخلص سالم إلى أن هناك مناطق جمال كثيرة وكبيرة في هذا البلد، لكن سالم رغم ما يراه من جوهر إنساني يتخطى الصورة الظاهرة للواقع، رغم ذلك، فهو لا ينسى جمال وطنه وهناء الحياة فيه، وهو الذي يجلب السعادة الحقيقية، ويجعله يسهم مساهمة فعالة في بناء هذا الوطن. أما كتاب إماراتي في الرياض فهو خلاصة تجربة سبع سنوات من العمل في مدينة الرياض، رسم فيه الكاتب محمد المرزوقي صورة المجتمع السعودي كما رآها، وفيه يقول إن الشخصية السعودية تتميز بالتلقائية والعفوية واللطف الشديد، كما يقدم الكاتب بإكبار الرؤية الأخوية التي يرى من خلالها السعوديون إخوتهم الإماراتيين، وكيف كان يلقى الترحيب والتكريم من مختلف فئات المجتمع، وفي الكتاب رصد لحياة سكان الرياض وجمال المدينة، ومعلومات تاريخية قيمة بالإضافة إلى كثير من التفاصيل التي تليق بالمؤلفات التي تنتسب لأدب الرحلة. يأخذ كتاب ماغيندا أومع الغداء (بالترجمة العربية للكلمة النمساوية كما ينوه المؤلف) للتشكيلي الإماراتي عبدالله السعدي، طابعاً خاصاً مزج فيه بين التشكيل وفن المذكرات، فرسم مشاهداته على شكل اسكتشات على صفحة دفتر المذكرات وكتب إلى جانبها جملاً تعبر عن تلك الانطباعات، ولا يهتم السعدي بالمعلومات أو التاريخ بقدر ما يهتم بالمشاهد البصرية وما تخلفه في نفسه تلك المشاهد، في عدد المدن التي زارها في النمسا وإيطاليا أثناء عمل فني امتد لثلاثة أشهر متواصلة في صيف العام 2008. في تجربة أخرى ترتبط باهتمامات الكاتب الإبداعية ينقل لنا الكاتب المسرحي، محسن سليمان خلاصة رحلته إلى اليابان في كتابهأسطورة المسرح الياباني.. النوه والكابوكي ودراما الأقنعة، فقد شده في رحلته التي استمرت ثلاثة أسابيع إلى اليابان في إطار برنامج التبادل الثقافي الذي تنظمه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، شده ذلك الفن، فراح يزور المسارح والمكتبات هناك ليتعرف على جذورها، وذلك انطلاقاً من تعلق سليمان الشخصي بعالم المسرح، وخلال الكتاب يسجل باندهاش ما رآه من ظواهر اجتماعية واقتصادية ودينية فريدة، حتى إن الثقافة اليابانية بدت أمامه وكأنها قادمة من كوكب آخر، وأعطى خلال الكتاب تعريفات للمدارس الفنية المسرحية في اليابان، ومعلومات مهمة عن أبرزها وهو مسرح النوّ والكابوكي ومسرح الأقنعة، تناولت الهنوف محمد في كتابها الطريق إلى اليابان الذي صدر أيضاً ضمن برنامج التبادل الثقافي الذي نظمته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الحياة الاجتماعية والثقافية في اليابان مقاربة بينها وبين الثقافة العربية في الإمارات على صعيد المسرح والشعر والأزياء التقليدية، وخصصت جانباً مهماً للشعر في اليابان، كما تناولت جوانب من تاريخ اليابان. يعود طلال سالم الذي شارك محسن سليمان والهنوف محمد في رحلة التبادل الثقافي إلى أدب الرحلة من خلال كتابه رشفة من بلاد اليابان، الذي رصد علاقة الإنسان بالأمكنة التي تمثل تاريخ وذاكرة وثقافات من عاش فيها، ويأخذ سالم القارئ عبر صفحاته في جولة يتعرف من خلالها على الكثير من الطباع والثقافات في بلد كبير وعريق مثل اليابان.
مشاركة :