ليس من السهل تناول موضوع الاحتقان المذهبي درامياً، وليس من السهل التعامل مع ردود أفعال منتسبي المذاهب، في وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا التناول يحتاج إلى موضوعية عالية جداً، وحرص كبير في تسليط الضوء على الجوانب السلبية في التفكير المذهبي، لاسيما أنها تخص وتلامس جوهر المعتقد والشعائر، فكيف إذا كان العمل الدرامي اعتمد السخرية أسلوباً للمعالجة، وكيف إذا كان بطله كوميدياً من الطراز الأول! هذا الأمر من شأنه إدخال العمل الدرامي في مختبر حقيقي. المسلسل الدرامي الكوميدي سيلفي 2 الذي يعرض على شاشة mbc، الذي يقوم ببطولته الفنان السعودي ناصر القصبي، وأخرجه أوس الشرقي، وكتبه خلف الحربي، أخذ على عاتقه، كما يبدو، التصدي للظواهر السلبية في المجتمعات العربية، وعلى قمتها التطرف المذهبي، كما فعل في الحلقة الثانية التي تتحدث صراحةً، وبشكل مباشر عن التطرف في المذهبين السني والشيعي. والقصة الذكية التي اعتمد عليها المسلسل هي متابعته لأسرتين، واحدة تعتنق المذهب السني، والثانية تعتنق المذهب الشيعي، وفي كل أسرة شاب تجاوز العشرين عاماً، ونشأ كل منهما على مذهب أهله، لكن الحبكة الدرامية استندت إلى خطأ طبي يوم ولادة الذكرين، فأخذت كل أسرة ابن الأسرة الثانية، واكتشفت السلطات الأمر بعد سنوات طويلة، أصبح خلالها الولدان شابين يمارس كل منهما شعائر وطقوس مذهب أهله، الأمر الذي ولّد صدمة لدى أب وأم كل منهما، ما لبثت الأسرتان أن تقبّلتا الأمر، لكن الأسرة السنية، وجدت نفسها أمام ابن شيعي، والأسرة الشيعية وجدت نفسها أمام ابن سنّي، وبدأت المحاولات من ولي أمر كل أسرة بتغيير مذهب ابنه (الجديد)، وكانت بعض التعليقات تُقابل بالاندهاش، وبعضها يقابل بالاحتواء من قبل الشابين. وفي المشهد الأخير من التمثيلية يجتمع الشابان الأخوان (في الرضاعة)، وتسود جلستهما سخرية خفيفة جراء المأزق الذي وضعا فيه، وطرحا فكرة الهجرة للتخلص من ورطتهما. وعلى الرغم من جدية الموقف وحساسية الموضوع، إلّا أن المؤلف قدم شخصيتي رجلي الدين، الشيعي والسني، بشكل ساخر، الأمر الذي أعطى بعداً استخفافياً بالشعائر والطقوس، ناهيك عن المعتقدات التي يؤمن بها العامة أو يمارسونها، والتي استند إليها المؤلف، ربما لأنها منتشرة بين الناس رغم عدم تداولها بين رجال الدين الواعين. لكن الحلقة استطاعت أن تعكس مدى التطرف بين أتباع المذهبين إلى درجة أن كل مذهب يسمي نفسه المذهب الحق، وبالتالي ينفي الحق عن المذهب الآخر، إلى درجة التكفير، ما ينعكس على الأبناء فيسود الحقد والغل والكراهية والاستخفاف بالآخر، إلى درجة مصادرته. من الطبيعي ألّا يرضى الناس جميعاً عن الطرح، ولهذا انتشر هاشتاغ على تويتر يقول (أوقفوا سيلفي2 يسيء للسنة)، وأظهر شريحة متطرفة واصلت تكفيرها للآخر، ووصفه بالضال والكافر وغيرهما، إلّا أن ما يثلج الصدر أن غالبية التعليقات التي وردت ضمن هذا الهاشتاغ كانت تؤيد فريق العمل الدرامي، وتثني على النجم ناصر القصبي، وفريق العمل، ووصف كثيرون منهم القصبي بالممثل الشجاع، بوصفه يتصدى لظاهرة التطرف والإرهاب. فقد سبق له أن أدى في العام الماضي شخصية (داعشية) جلبت له المشاكل فيما بعد، وقال القصبي إنه تلقى تهديدات بقتله وحرقه، لكنه سيواصل التصدي لهم وفضح سلوكياتهم وانحرافاتهم وتشويههم للدين، وفعلاً واصل هذا الموسم الرمضاني في عمل أنتجته يارا ميديا، وتقول المعلومات إن تكلفة الإنتاج، وصلت 15 مليون دولار. الحل الذي طرحته الحلقة الدرامية للتخلص من مأزق الشابين، وإن كان الطرح بشكل عابر وساخر، كان الهجرة، ليمارس كل شاب حياته بعيداً عن التناحر المذهبي، وللتخلص من إعادة تأهيلهما (مذهبياً)، أي ترك الشابين لأسرتيهما والعيش بعيداً عنهما، في دلالة واضحة على صعوبة تكيّف كل شاب مع الوضع الجديد؛ مذهب جديد، وأب وأم جديدين، وأسلوب حياة مختلف، في ظل تزمّت الطرفين، ولا أدري لماذا لم يطرح مؤلف الحلقة الدرامية فكرة التقارب بين الأسرتين، ومحاولة الاندماج! وكأن لسان حاله يقول إن التقارب أشبه بالمستحيل! فهل التعايش فعلاً مستحيل بين مذهبين رئيسيين لدين واحد! وكأن كل أسرة تتبع ديناً يتناقض مع دين الأسرة الأخرى! وهي نتيجة غير منطقية وغير واقعية، فالاختلاف ليس في الخطوط الجوهرية للدين بل في بعض الشعائر، وهذا الاختلاف في الشعائر موجود بين كل المذاهب الإسلامية، بينما يعبدون إلهاً واحداً ويؤمنون برسول واحد، ويطبقون القواعد الخمس للإسلام، ويعيش أتباع المذهبين منذ مئات السنين جنباً إلى جنب بسلام وانسجام، فما الذي جعلهما يتنافران؟ وما الذي أجج العداء بينهما؟ هذه الأسئلة ستقودنا إلى نقاش سياسي طويل يتبادل فيه الطرفان وحلفاؤهما الاتهامات التي لا تتضمن اختلافات دينية، وإنما اختلافات على مناطق النفوذ، ولهذا لن نخوض في شأنها، لكننا نود الإشارة إلى أن مناقشة موضوع الاختلافات المذهبية لا يمكن أن يتم بأسلوب ساخر، لأن النتيجة كانت سخرية من الطرفين، وقدم حلاً ساخراً أيضاً يتمثل في الهجرة. وأخشى أن أداء ناصر القصبي، وهو الممثل المتمكن قد أثّر سلباً على هدف العمل الدرامي. إن تقليل الاحتقان المذهبي لا يتم بالسخرية، ولا بعمل سريع يتمثل في حلقة درامية واحدة كانت تنتقل سريعاً بين أسرتين، ولم تشبع الحالة الدرامية، ولا الفكرة المختلف عليها، وإنما اكتفت بعرضها، وهذا العرض يعلمه الجميع، والواقع نراه يومياً في وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة، التي تزيد من سخونة التعصب حتى تخالها تروج لحرب أهلية، خاصة أن كل دولة تحتوي على أتباع المذهبين، فإذا كان هذا التنافر قائماً، فكيف يمكن تحقيق السلم الاجتماعي في بيئة واحدة، وتحقيق الأمن في وطن واحد؟ د.عبدالله السويجي suwaiji@emirates.net.ae
مشاركة :