أن يتفوق الصمت على الحوار، ويغلب حديث الملامح ولغة الجسد ضجيج الكلام، لتُبكيك إيماءة، وتهزك نظرة، فهنا لا بد للسيناريو أن يترك الساحة للإبداع الصامت، ويمضي، هذا الصمت الذي يخفي وراءه ألف كلمة هو ملعب الفنانة نيللي كريم، التي تؤدي بطولة مسلسل سقوط حر على قناة دبي، لتتفوق بأدائها على غيرها ممن هزوا الشاشة بأصواتهم العالية، فوصلوا للأذن الوسطى، بينما مروا على قلوبنا مرور الكرام. وها هي نيللي كريم كعادتها، تنتقي هذا العام دوراً من أصعب الأدوار، لتطل على المُشاهد مريضة نفسية، تعايش عالم المصحات وما يتخلل زواياها من معاناة حقيقية يعيشها روادها، فتلقي بمكياجها جانباً، وترتدي ما يتجنب الكثيرون ارتداءه، لتقول للمشاهد إنها تحادث عقله وتحاور عينيه، غير عابئةٍ بجمالها، الذي يتأجج - رغم ذلك - كأدائها المختلف والمتميز. اضطراب نفسي تدور أحداث المسلسل حول شخصية ملك التي تؤدي نيللي كريم دورها، وهي سيدة مضطربة نفسياً، يتم اتهامها بقتل زوجها وشقيقتها، وتقرر المحكمة إدخالها المصحة النفسية للعلاج كونها تعاني بعد الجريمة أزمة نفسية حادة، ولكنها تعاني مشكلات كثيرة داخل المصحة، تجعلها عرضة لانتكاسات متكررة، وتتوالى الأحداث حتى يتم اكتشاف حقيقة مقتل زوجها وشقيقتها، في ظل مفاجأة يبدو أن العمل يحتفظ بها للنهاية. وتغوص فكرة العمل في معاناة النفس البشرية، والضغوطات التي تتعرض لها، والمشاعر التي تعتريها وتترك بصمتها في كل موقف، لتعكس ما يتغلغل في نفوس البشرية من انفعالات وتفاصيل داخلية، ما يجسد بالتالي ذلك السقوط الحر المنبثق من الداخل، والذي يبقى أسير صاحبه فقط، بينما تغفل عنه عيون الآخرين. مفاجآت ومن خلال دور ملك الذي وصلت فيه نيللي كريم لأعلى مستويات الصدمة، لا يستطيع المشاهد أن يتوقع المفاجآت التي يمكن أن تطل بها عليه، فبعد 3 حلقات من الصمت المتواصل، تنفجر غاضبة كالبركان، لتصرخ بأعلى صوتها مسببة حالة من الفوضى والهلع في زوايا المصحة النفسية، لتقدم هذا المشهد ببراعة تثبت قدرتها على تقديم الأدوار السيكودرامية بأداء عالٍ وحرفية كبيرة. تفاصيل ثنائي من طراز فريد، نجح خلال الأعوام السابقة في حصد نجاح كبير من خلال أعمال درامية مشتركة، تجسد في الكاتبة مريم ناعوم والممثلة نيللي كريم، اللتين شكَّل تعاونهما في أكثر من عمل منها ذات وسجن النسا وتحت السيطرة بذرة لأعمال أكثر نجاحاً، لا سيما أن كلتاهما تهتم بالتفاصيل الدقيقة. وها هو المخرج شوقي الماجري يطل على المشهد ليضيف إليه من لمساته ما يقدم للجمهور عملاً درامياً إبداعياً بامتياز، ليجذب الأنظار بعبقريته التي تجيب عن تساؤلات عين المُشاهد، ولا تغفل التفاصيل الصغيرة، واضعاً في رصيده عملاً يؤكد شغفه بالأعمال الإنسانية التي تعكس بعض زوايا الواقع المسكوت عنها. بلا أقنعة اعتادت أن تُسخر موهبتها في خدمة الدور، وليس في خدمة نجوميتها، ما دعاها لأن تطل بلا مساحيق ولا ألوان أمام جمهورها، فهي في نظر المُشاهد مريضة نفسية تتعرض لصدمة موجعة، فلم يعد للمكياج ولا للموضة حضور في إطلالتها، فكانت مقنعة إلى حد النخاع، لم تخَف أن تطرق باباً قد تتجنبه الكثيرات خوفاً من تبعاته، ما جعلها تنتزع لقب أفضل ممثلة خلال السنوات السابقة وفق استطلاعات رأي الجماهير النقاد.
مشاركة :