وضعت السعودية خريطة طريق تكفل خروج سورية من النفق المظلم الذي تسير فيه منذ نحو ثلاثة أعوام، وصولا إلى الحل المنشود للنزاع، بالارتكاز على أربعة عناصر، أولها الانسحاب الفوري لجميع القوات والعناصر الأجنبية المسلحة من الأراضي السورية، بما في ذلك قوات الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات حزب الله، وثانيها، وقف القتال وفك الحصار عن المدن والقرى السورية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي الذي يشنه النظام، وثالثها إيجاد مناطق وممرات آمنة لإيصال المساعدات للسوريين بإشراف دولي يضمن ذلك، فيما يتمثل العنصر الرابع والأخير في إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين لدى النظام السوري. وأكدت المملكة أن مشاركتها في مؤتمر جنيف 2 يأتي تأكيداً على نهجها واستمرارا لسياستها الرامية إلى التوصل لحل سلمي للأزمة السورية منذ الأيام الأولى لنشوبها في آذار (مارس) 2011. بان كي مون يفتتح أعمال «مؤتمر جنيف 2» أمس في مدينة مونترو السويسرية. الفرنسية جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس وفد المملكة إلى أعمال المؤتمر الدولي حول سورية جنيف - 2 الذي تستضيفه مدينة مونترو السويسرية. وقال وزير الخارجية: نجتمع اليوم والأزمة السورية شارفت على نهاية عامها الثالث، دون بارقة أمل يوقف نزيف الدماء المستمر للشعب السوري، وما لحق بالبلاد من ألوان الدمار والخراب، الأمر الذي جعل من هذه الأزمة أكبر الكوارث في تاريخنا المعاصر.. إن مشاركة المملكة في هذا الاجتماع تأتي تأكيداً على نهجها واستمرارا لسياستها الرامية إلى التوصل لحل سلمي للأزمة. فمنذ الأيام الأولى لنشوبها في آذار (مارس) 2011، بادر خادم الحرمين الشريفين بإجراء خمسة اتصالات مباشرة بالنظام السوري، في محاولة لثنيه عن استخدام العنف غير المبرر، وحثه على المبادرات السلمية في مواجهة المطالب المحدودة لشعبه، غير أن النظام أبى واستكبر وأصر على الاستمرار في استخدام العنف إلى حد اللجوء للحل العسكري، مستخدما أكثر الأسلحة فتكا وتدميرا، بل إن النظام تمادى في غيه حين استخدم السلاح الكيماوي دونما وازع من ضمير أو أدنى احترام للقوانين الدولية التي تحرم استخدام هذا السلاح. وأضاف: ومع ذلك فإن المملكة استمرت في جهودها للأخذ بالحل السلمي دون كلل أو ملل، جنبا إلى جنب مع أشقائها في الجامعة العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي، وفي مجموعة أصدقاء سورية، إلا أن كل هذه الجهود تحطمت أمام عناد النظام وإصراره على حسم النزاع عسكريا حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بمرتزقة، واستباحة أرض بلاده للاحتلال الأجنبي، وتفتيت وحدة سورية الوطنية، وتهديد سلامتها الإقليمية. وتابع: إن تلبية المملكة للدعوة لهذا المؤتمر، جاءت بناء على الضمانات والتأكيدات التي تضمنتها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة التي نصت على أن الهدف من مؤتمر (جنيف2) هو التطبيق الكامل لما ورد في مؤتمر (جنيف1).. وندرك جميعا أن أهم مضامين هذا الإعلان هو تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة تمكنها من تسلم زمام الأمور وإدارة شؤون البلاد من مختلف الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، ومن البديهي ألا يكون لبشار الأسد أو أي من رموز نظامه أو من تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور حالي أو مستقبلي في هذا الترتيب. وقال: حتى تتمكن سورية من الخروج من النفق المظلم، فإننا نرى أن تكون انطلاقتنا إلى الحل المنشود مرتكزة على العناصر التالية: أولا: الانسحاب الفوري لجميع القوات والعناصر الأجنبية المسلحة من الأراضي السورية، بما في ذلك قوات الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات حزب الله. ثانيا: وقف القتال وفك الحصار عن المدن والقرى السورية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي الذي يشنه النظام. ثالثا: إيجاد مناطق وممرات آمنة لإيصال المساعدات للسوريين بإشراف دولي يضمن ذلك. رابعا: إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين لدى النظام السوري. وأوضح الأمير سعود الفيصل أن من شأن ذلك تمكين السوريين من الاضطلاع بمسؤولياتهم بمعزل عن التدخلات الخارجية، وبما يمكنهم من تقرير مصيرهم والمحافظة على سيادة سورية واستقلالها ووحدتها الإقليمية، وتحقيق طموحات وتطلعات جميع مكونات الشعب السوري دون تمييز أو تفرقة، وهذه المبادئ هي بالضبط ما نصت عليه وثيقة العهد الوطني الصادرة عن الائتلاف الوطني السوري باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري الذي يحظى باعتراف الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وما يقارب من ثلثي سكان العالم الممثلين في مجموعة أصدقاء سورية. وقال: إنه من الضروري أن نحذر في هذا الخصوص من أي محاولات ترمي إلى تغيير مسار هذا المؤتمر وإبعاده عن الأهداف المرسومة له في محاولة يائسة لتحسين صورة النظام، والدعاية بأنه يحارب الإرهاب، فهل يمكن تصور أن ما يتجاوز مائة ألف ضحية قتلوا على يد النظام أن يكونوا إرهابيين؟ وذلك طبقا لآخر إحصائية للأمم المتحدة قبل أن توقف إحصاءها لعدد القتلى منذ فترة ليست بالقصيرة. واختتم وزير الخارجية كلمته بقوله: إن الأمل يحدونا أن يتم التعامل مع الأزمة السورية في هذا المؤتمر بعيدا عن محاولات الاستقطاب أو الاسترضاء، أو المناورات السياسية التي كبلت مجلس الأمن، عسى أن يعيد المؤتمر إلى هذا المجلس دوره المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، وذلك بتبنيه ما يتم التوصل إليه من اتفاق، وضمان تنفيذه والالتزام ببنوده. وفي الختام، لقد آن الأوان لإيقاف نزيف الدم وإنهاء معاناة الشعب السوري المكلوم، والفرصة مواتية لنا بعدم خذلان السوريين مرة أخرى. واختتمت أمس في مدينة مونترو السويسرية أعمال اليوم الأول لمؤتمر جنيف - 2 حول الأزمة السورية بمشاركة نحو 40 دولة، برعاية الأمم المتحدة. وأوضح بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع أن كل المشاركين في الاجتماع أجمعوا على ضرورة وضع حد للصراع في سورية والتوصل إلى حل سياسي، مبينا أن السنوات الثلاث الماضية مرت على السوريين مليئة بالدمار وهجمات الأسلحة الكيميائية وحان الوقت ليستريح الشعب السوري، وأن تأتي المعارضة والحكومة السورية لمائدة التفاوض. وأفاد أن مجرد اجتماعهم هنا في مدينة مونترو كان إنجازًا تاريخيا، مجددا عزمه على أن يجد الطرفان طريق السلام والاستفادة من هذه الفرصة الهشة. وأوضح أن المفاوضات الفعلية ستبدأ غدا الجمعة في مدينة جنيف تحت رعاية الأخضر الإبراهيمي في عملية تحترم سيادة سورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، على أن يكون المبدأ الأساسي للتفاوض هو تنفيذ بيان مؤتمر جنيف - 1 الذي يهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية بتوافق الرأي بكامل الصلاحيات تصون خلاله مؤسسات الدولة وتصلحها وتحترم حقوق الإنسان، وتبدأ حوارا وطنيا وعملية انتخابات وإرساء دولة القانون الذي انتهك بشكل صارخ على مدى ثلاث سنوات، ومساعدة السوريين على الخروج من محنتهم الإنسانية بعد ما تكبده من جوع وأمراض وخوف. وطالب الأمين العام للأمم المتحدة الحكومة السورية باتخاذ إجراءات لبناء الثقة، ووقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين، وإغاثة الشعب السوري الذي يتطلع للخروج من هذا الكابوس.
مشاركة :