رحلة الابتعاث: المسلمون مطالبون بالتحرك الإيجابي بدل البكاء على اللبن المسكوب 1 - 2

  • 6/14/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

نزيه شجاع العثماني أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات (تخصص طبية حيوية) جامعة الملك عبد العزيز بجدة الطالب الدولي المميز لجامعة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا للعام 2008م عضو سابق في لجنة الدعم والمساندة للأندية الطلابية في الملحقية الثقافية في واشنطن. تعامل كثير من التغطيات مع أخبار المبتعثين والابتعاث بسطحية ولم تغط الإنجازات الحقيقية للمبتعثين والمبتعثات. لذا جاء هذا الكتاب ليوثق تجربة شاب سعودي ذهب إلى أميركا كمعيدٍ لديه أفكار وتطلعات وتصورات معينة، وبدأ قصته في التواصل والاحتكاك مع المجتمع المحيط به، وأدى هذا الاحتكاك إلى الكثير من التغييرات في الفكر والتصورات وطريقة التعامل مع الأمور. الكتاب يسجل نماذج من شباب وبنات الوطن ساهموا أثناء مرحلة الابتعاث في التأثير على الآخرين وفي التبادل الثقافي والاجتماعي والعلمي، وأبدعوا في الجامعات الأميركية على المستوى العلمي والثقافي، ولكن لم يجدوا من يوثق تجربتهم ومساهماتهم الإيجابية وعادوا إلى الوطن كقادة وعلماء مميزين في شتّى المجالات. ما قبل أحداث سبتمبر لم يكن الابتعاث لدراسة اللغة مُتاحاً في ذلك الوقت بالنسبة للمعيدين فكان لا بُد من الحصول على قبول كامل لدراسة الماجستير قبل إصدار قرار الابتعاث، وكنت قد حصلت على 540 في امتحان اللغة الإنجليزية التوفل واختبرت اختبار GRE. في جدة أذكر أنني لم أستعد أبداً له لأني علمت به قبل موعده بأيام بسيطة فسجلت ودخلته وأنا لا أعرف أصلاً الكثير عنه، وراسلت وقتها أكثر من 20 جامعة عن طريق البريد السعودي حيث لم يكن هناك إنترنت في ذلك الوقت، وكان البريد الإلكتروني في بدايته، فكان استخدامه محدوداً جداً وكانت إجراءات الابتعاث تستغرق وقتاً طويلاً ولذا كنت أتابع الأوراق وتطورها عبر الهاتف وقبلتني جامعتان ليستا من الجامعات القوية، بينما وصلتني خطابات رفض كان من ضمنها خطاب من جامعة آناربر بولاية ميتشيجين التي كنت حريصاً عليها لقوتها وتميزها ولكنها للأسف لم تقبلني في البداية لأنها تتطلب الحصول على 550 علامة في التوفل. بدأت إجراءات الابتعاث بناءً على قبول جامعة براون بقسم الهندسة الطبية وصادف ذلك عودة أحد المبتعثين من القسم بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة آناربر ميتشيجين فسمع عن وضعي وتطوع مشكوراً للتواصل مع مسؤول برنامج الدراسات العليا بقسم الهندسة الكهربائية بجامعة آناربر ميتشيجين، فطلب مني أن أقوم بالاتصال به هاتفياً للحديث حول الموضوع، وفعلاً اتصلت به في الوقت المحدد ولم تستغرق المسألة أكثر من 3 دقائق لأفاجأ به وهو يقول: سأغير قرار القسم وأرسل لك خطاب قبول !!! لم أصدق ما سمعت فطلبت منه تكرار ما يقوله فأكّد أنني مقبول في قسم الهندسة الكهربائية بجامعة آناربر ميتشيجين التي تعد من أفضل 10 جامعات في أميركا بهذا التخصص، فقلت له: إني مستعجل وأحتاج خطاب القبول لأبدأ إجراءات تغيير الجامعة والابتعاث، فسألته: كم أسبوع ستأخذ إجراءات إصدار خطاب قبول جديد؟ فطلب مني أقرب رقم فاكس عندي وأرسل لي خطاب القبول خلال نصف ساعة على الفاكس!!! هكذا بكل سهولة وفي أحد أقوى الجامعات بالعالم وليس أميركا فقط تغيّر قرار القبول بدون أن تقوم تلك الجامعة لا باجتماع مجلس قسم ولا كلية، ولم يحتج الدكتور اعتماد العميد ولا وكيل الجامعة، ولم يتطلب الأمر أيًّا من تلك التعقيدات الإدارية التي نشاهدها في جامعاتنا اليوم، كل العملية استغرقت دقائق معدودة وانتهى الأمر. الوصول إلى الجامعة ذهبت كمبتعث إلى أميركا وفي عقلي تحذيرات ونصائح ممن حولي تصوّر بأنهم (لا أدري ليومنا هذا من هم حقيقة؟) منظمون يتصيدون شبابنا من بداية وصولهم إلى المطار ويغرونهم بشتى الوسائل والطرق للانسلاخ عن دينهم وتنصيرهم، أو تجنيد الطلاب المميزين في الاستخبارات ليعودوا جواسيس على أوطانهم، ومن الوسائل المستخدمة في تلك الأمور المال والنساء. المضحك أني كنت أنظر لنفسي على أني ثروة ستحاول المخابرات الأميركية تجنيدي لصالحها. قد يستغرب البعض من وجود هذا التصور عندي ولكنه كان سائداً في رأسي آنذاك، وكم أضحك اليوم على نفسي بعد سنوات الابتعاث وأتساءل من الذي أدخل هذه التصورات المضحكة في رأسي؟ ويا ترى هل هناك من المبتعثين من يحمل مثل هذه التصورات ليومنا هذا؟ من الطرائف في هذا المجال أني ذهبت في أول يوم لقسم الهندسة الكهربائية في جامعة آناربر في ولاية ميتشيجين للتسجيل لديهم فاستقبلتني سكرتيرة البرنامج مبتسمة ورحبت بي بشكل كبير، وفوراً خطر في بالي أن عليّ الحذر فلا بد أنها تلك الفتاة التي ستقوم ببذل ما تستطيعه لغسل دماغي وتنصيري، وبينما أنا أحذر من كلامها وأنتظر منها المكائد والدسائس أفاجأ بها تتصل بطالب باكستاني اسمه خاور وتقول له: هناك طالب سعودي جديد يحتاج لمساعدتك وأنهت المكالمة وقالت لي بأن خاور سيدلني على غرفة الصلاة المخصصة لصلاة المسلمين في الجامعة، كما سيدلني على مطاعم وبقالات اللحم الحلال، ويسجلني في جمعية الطلبة المهندسين المسلمين في الكلية، ويدلني على المركز الإسلامي، وفتحت خريطة للمدينة أمامها وصارت تؤشر لي بإصبعها على موقع المسجد والمطاعم التي تبيع اللحم الحلال وتخبرني بأرقام الباصات التي ينبغي أن أستخدمها للوصول للمسجد والمطاعم ومحلات الأثاث، وأنا في دهشة وأفكر في أن هذه مؤامرة تقوم بها هذه السيدة لتستدرجني بعدها للتنصير أو تجنّدني في المخابرات لأعود خائناً لوطني وديني، ومن المؤكد أن خاور عميل مخابرات تم تجنيده من قبل ويساعدها في هذا الأمر، ولم تستغرق هذه الهرطقات وقتاً طويلاً في ذهني، فالواقع مخالف تماماً لهذه التصورات المضحكة المبكية التي أحمد الله أنها لم تقف حاجزاً بيني وبين الاستفادة المثلى من تجربة الابتعاث وحياة الطلاب والجامعة. التفرّق بين المسلمين كان بتلك الفترة هناك مسجدٌ واحدٌ في آناربر يقع على أرض كبيرة ويوجد بجواره مدرسة إسلامية خاصة تقوم بتدريس مناهج المدارس العامة الأميركية، إضافة إلى اللغة العربية والقرآن والدراسات الإسلامية، وتميز مسجد آناربر بتنوع المصلين فيه فكل الجنسيات وكل الأعراق تصلي فيه ولم يكن المسجد مخصصاً لجنسية معينة أو حتى لفكر معين فالكل كان موجوداً فيه. كان الفصل التام بين الرجال والنساء من خلال حواجز مسيطراً على المسجد في آناربر ولم يكن هناك تمثيل للنساء في مجلس إدارة المسجد، ولم يكن هناك تقبّل لدى المجموعة المسيطرة على المسجد لفكرة دخول غير المسلمين في المسجد ولا حتى المشاركة في الفعاليات والأنشطة مع غير المسلمين. كانت هناك فئة من المجتمع تؤمن بضرورة التفاعل مع المجتمع الأميركي وتفعيل دور المرأة بالمساجد ولكنها لم تكن ذات نفوذ بالمسجد، كما كانت هناك أحد أقوى الجمعيات الطلابية المسلمة على مستوى أميركا في جامعة آناربر العريقة وكلها من أبناء وبنات الجيل الثاني من المهاجرين، أي أن معظمهم أميركان ولا يتحدثون لغتهم الأصلية بالرغم من اعتزازهم بهويتهم المسلمة، ولهم أنشطة فعالة لحدٍّ كبير في الجامعة وتعمل بطريقة معاكسة تماماً لما كان سائداً بالمسجد، ولم يكن هناك أي تعاون أو تواصل بين الطرفين ولطالما أزعجني هذا الانفصال بين أطياف المسلمين. كنتُ في بداية الابتعاث أحلم بأن أتمكن من توحيد الفئات المختلفة بالمسجد بغضّ النظر عن توجهاتها، وكنت أضع نفسي بمسافة متساوية مع كل الفئات بالجالية المسلمة التي لم أفهم بالبداية لأنها تكتلات منظمة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجاميين والسروريين والليبراليين والأميركان الأفارقة وجمعية الطلاب المسلمين، فلم أكن أفهم سبب هذه الاختلافات وتصورت أنها مجرد سوء تنسيق وسوء فهم، ولم أجد سبباً لأن يعمل كلّ على حدة ما دام الكل يريد الخير للناس. سيطر حلم توحيد الجهود عليّ لفترة طويلة وأثر في طريقة عملي وتواصلي مع الناس. ولهذا كنت أساهم في كل نشاط أو فعالية بحسب ما يسمح وقتي بغض النظر عمّن نظمها، ولله الحمد لم أساهم في دعم أي صراع أو عراك بين الأطراف وإنما كنت دوماً أحاول ما استطعت أن أقرّب وجهات النظر بدون الانحياز لطرف دون آخر، وقد أكسبني هذا الأمر ثقة كافة الجهات المختلفة في المدينة. أتاحت لي البعثة فرصة القراءة لمدارس فقهية تختلف عمّا تعودت على سماعه في السعودية، فبدأت أكتشف أن هناك قضايا كنت أظن أنها محسومة شرعاً لأكتشف أن هناك آراءً من سلف الأمة مخالفة لتصوراتي، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع غير المسلمين ووضع المرأة في الإسلام، وبدأت ألاحظ كيف أن العادات والتقاليد تسربت للدين لتصبح من الثوابت الوهمية التي تربينا عليها، وكنت أعجب ممن يعارض مشاركة المرأة ويدعي إتّباع السنة ثم يتجاهل أن سيدنا عمر بن الخطاب عيّن سيدتين صحابيتين على الحسبة في سوقي مكة والمدينة. فيلم سجن المسلمين نشرت مؤسسة كاير تنبيهاً عن فيلم رصدت له هوليوود مبالغ طائلة ويمثّل به دينزل واشنطن، وحاولت كاير تعديل نص الفيلم وأحداثه قبل خروجه ولكن المنتجين لم يستجيبوا إلّا لعدد محدود من المطالب ولم يتأثر نص الفيلم وأحداثه بالتعديلات. قصة الفيلم تركّز على وجود خلية من المسلمين تريد تنفيذ عملية إرهابية كبيرة فيقوم الجيش الأميركي بحصر كل المسلمين في نيويورك في أراض محددة حولها أسوار لمنعهم من تنفيذ العملية، ويوجد هناك محقّق المباحث الذي يترصد الفريق الإرهابي لإيقاف العملية ويحاول جهده لإنهاء حصار المسلمين. تتخلل الفيلم مناظر وأحداث تبرز المسلمين بصورة سلبية وأنهم خطر على أميركا ولا بدّ من ملاحقتهم ومتابعتهم، وحذرت كاير من خطر هذا الفيلم على وضع المسلمين في أميركا، وأن استهداف فئة أو جنس معين بهذا الشكل مخالف للقيم الأميركية. وأذكر أننا جلسنا كمجموعة من الشباب بعد صلاة العشاء في المسجد ومعنا أحد أعضاء هيئة التدريس المسلمين بجامعة آناربر، وكلنا نتحدث عن المؤامرة وهوليوود، وكان نقاشاً سلبياً لا طائل منه إلى أن نطق الدكتور الذي كان مستمعاً لكل ما قلناه وقال: حسناً أنتم منزعجون، فماذا أنتم فاعلون؟ كلكم قرأتم النصف الأول من تنبيه كاير والمرتبط بالفيلم ومحتواه ولكنكم تجاهلتم النصف الثاني من التنبيه الذي طالب المسلمين في أميركا بتوجيه الطاقات والغضب للعمل الإيجابي من خلال فتح المساجد لغير المسلمين للتعرّف عليهم والتواجد بكثرة يوم افتتاح الفيلم في دور السينما وتوزيع الدعوات على كل الحضور للفيلم للتعريف بالمسلمين ومساهماتهم الإيجابية بالمجتمع، وأضاف الدكتور كلمته التي ترن في أذني لليوم: تحدثتم لمدة طويلة عن المؤامرة وكنتم ستقومون من مكانكم بدون أن تفكروا بدوركم، إذا كان هناك فعلاً من يتآمر من خلال الفيلم ولم تكن المسألة مجرد مُنتِج يريد تحقيق أكبر قدر من المكاسب المالية من خلال استهداف الأقليات تماماً كما كان المنتجون قبله يركزون على الأميركان السود وحتى على اليهود إذا كان الموضوع مؤامرة، فما الذي يمنعنا من القيام بالمؤامرة نفسها والاستفادة من الفرصة لاستضافة الناس في المسجد فالفيلم وسيلة دعائية كبيرة جداً لمثل هذا الأمر. اقترحت على جمعية الطلبة المسلمين أن ينظموا يوماً عن الإسلام في المسجد وترددوا جميعاً في القبول فلم يتوقعوا أن يوافق المسجد، ولكني وقتها قلت لهم بأني سأتكفل بإقناع المسجد، وبالفعل ذهبت مع مجموعة من الزملاء لمجلس الإدارة وطرحنا الموضوع على أنه فرصة كبيرة يمكن استغلالها في التعريف بالإسلام، واستسلمت الإدارة للضغط على مضض، وكان الشرط هو أن تكون فعاليات اليوم المفتوح بالمدرسة المجاورة للمسجد، وأن تشملها جولة للمسجد، أي أن لا يكون المسجد هو مكان التجمع. وبالفعل تم تحديد يوم لاستقبال غير المسلمين في المسجد وكان بعد أسبوع من بداية عرض الفيلم، وتطوع طلاب وطالبات الجامعة بتوزيع دعوات لحضور اليوم المفتوح على أبواب دور السينما التي تعرض هذا الفيلم. لم نكن نتوقع أبداً أن يكون هناك حضور كبير، وفوجئنا بحضور غفير تجاوز المئات، ولم تكن قاعات المسجد تستوعب أكثر من 400-500 شخص في وقت واحد، ولهذا وقف الناس في طوابير طويلة وصلت للشارع الرئيسي بحيث يدخل الناس للمسجد على هيئة أفواج شيئاً فشيئاً، وركز البرنامج على التعريف بالإسلام فقط، إضافة إلى التعريف ببعض العادات والتقاليد الشعبية والتعريف بالقرآن وأركان الإسلام والإيمان. نجح اليوم المفتوح بشكل كبير فقد انهالت طلبات المدارس والكنائس والمؤسسات المدنية على المسجد تطلب متحدثين يبرزون الوجه الصحيح للإسلام، ونشرت كاير أخباراً لجاليات أخرى في مدن أخرى استغلت الحملة الموجودة على الفيلم وفتحت مساجدها لاستضافة غير المسلمين فيها، وانتشرت مقالات إيجابية كبيرة جداً في الكثير من الصحف المحلية فانقلب السحر على الساحر، وبدلاً من أن يحقّق الفيلم إيرادات مالية عالية من خلال المتاجرة بالأقلية المسلمة استطاعت الجاليات التي تفاعلت إيجابياً مع الفيلم الوصول لمئات الألوف من غير المسلمين. كاير تعترض إحدى المؤسسات التي سبّبت تحولاً في الموقف من الانخراط في العمل المدني بأميركا في منتصف التسعينيات هي مؤسسة كاير (مجلس العلاقات الإسلامية الأميركي) فهي مؤسسة بدأت في واشنطن بثلاثة أشخاص وكانت تتابع المقالات الإعلامية التي تُنشر عن المسلمين، وتنشر تنبيهات عن طريق البريد الإلكتروني للمسجلين لديها في حال وجود مقالات بها مغالطات وأخطاء تاريخية، وكانت التنبيهات تحوي اسم كاتب المقال ووسيلة الاتصال به وبرؤساء تحريره، وتطلب من كل من قرأ المقال أن يكتب رسالة تتجنب الانفعال والعاطفة وتركز على حقائق تبرز خطأ مزاعم كاتب المقال، وبالفعل يتجاوب الناس ويكتبون سيلاً من الخطابات والردود وكانت المفاجأة أن صحفاً كثيرة بدأت تعتذر وتتراجع وتكتب بأن معلوماتها كانت تعتمد على مصادر غير موثوقة. توسع عمل كاير ليشمل الدفاع عن الحقوق المدنية للمسلمين بأميركا، فكانوا ينشرون تنبيهات عن مؤسسات وشركات طردت مسلماً لأنه يريد أن يصلي في وقت الدوام، أو سيدة لأنها محجبة، أو رجلاً لأنه ملتح وغير ذلك من المسببات التي تتعارض مع مبدأ حرية التدين وممارسة المعتقد في أميركا، وكانت التنبيهات تحوي اسم المؤسسة ووسيلة التواصل مع المسؤول عنها وتطلب من الناس المتعاطفين (المسلمين وغير المسلمين) مراسلة المؤسسة للعدول عن قرارها بحكم أن حرية التدين مكفولة بأميركا، وكثيراً ما كانت الشركات تعدل عن قرارها وتعتذر نتيجة للضغط الذي يتواصل عليها، وأعجبتني طريقة عملهم حقيقة لأنها تركز على تحويل غضب الناس على المقالات السلبية لعمل إيجابي يتمثل في إيصال المعلومات الصحيحة للجهات المعنية، وكانت النتائج والنجاحات تتواصل الواحدة تلو الأخرى، فقمت وقتها مع مجموعة من الأصدقاء بحملة لجمع العناوين الإلكترونية للمسلمين في آناربر، وكنت أرسل تنبيهات كاير لهم جميعاً، وكنا نكتب خطابات تتجاوب مع تنبيهات كاير ونرسلها للإيميلات التي لدينا، ونطلب من الناس استخدامها لمراسلة الجهات التي وردت في التنبيهات، كما كنا نجمع توقيعات الناس على الخطابات بعد صلاة الجمعة ثم نرسلها بالفاكس للجهات المعنية وكانت وسيلة فعالة للتأثير. لم يكن يمر يوم جمعة بدون أن تكون هناك حملة جمع توقيعات للردّ على كاتب هنا أو هناك أو الضغط على شركة قامت بفصل سيدة لأنها محجبة أو رجلاً لأنه ملتح ومن أصول مسلمة، وفي يوم ما جاءني أحد المسلمين في المدينة بعد صلاة الجمعة وأعطاني عبوة سيريل للأطفال مكتوب عليها نكتة لا أذكرها حالياً، ولكن أذكر أنها كانت تمس الذات الإلهية وتسخر من الله عز وجل، وقال لي الرجل: إن هذه العبوة تباع في محلات سوبرماركت كروجر المنتشرة في آناربر وقال لي: الأمر بيدكم أنتم واللهم قد بلغت اللهم فاشهد!!! قلت لنفسي: لنكتب رسالة اعتراض نستند فيها لضرورة احترام الأديان وعدم الاستهزاء بها بهذا الشكل، لأن هذا يسبب حساسية للأقلية المسلمة، وبما أننا مسلمون بالمدينة نشتري من محلات كروجر فلا بدّ لهم أن يحترموا مشاعرنا، وفعلاً بحثت عن وسائل الاتصال بالمسؤولين في كروجر من الإنترنت وجهزت خطاب الاحتجاج وراجعته لغوياً ونشرت التنبيه في البريد الإلكتروني الخاص بنا وجمعت توقيعات الناس بعد صلاة الجمعة وأرسلت الخطاب لكروجر عبر الفاكس وبعد حوالي أسبوع كانت المفاجأة، وصل خطاب من إدارة كروجر الرئيسية في الولاية يعتذرون فيه عن الخطأ ويلتزمون بسحب كل العبوات من كل فروع كروجر، والتزموا أيضاً بالعودة إلينا في حال وجود تساؤلات عندهم عن مواضيع مرتبطة بالتعامل مع المسلمين وأنهم لن يقبلوا الاستهزاء بدين أو عرق أي أحد. لم أصدّق ما حصل وقتها ولكنه تصديق لمبدأ أن النصرة من الله تأتي لمن ينصره وأنه بدلاً من أن يبكي المسلمون على خراب مالطة ويستسلمون لنظرية المؤامرة المزعومة عليهم، لا بدّ من أن يستفيدوا من النظام الذي منحهم حرية التعبير وممارسة الضغط وحفظ لهم حقوقهم المدنية والدينية.

مشاركة :