اللبناني لا يهمه من يذهب للمسجد أو الكنيسة، وإنما يهتم بمن يذهب لسهرة عامرة بأحدث (موضات) العصر من ملابس وعطور، ولا تقتصر المسألة على قادر يدفع بالدولار أو اليورو وبسخاء، وإنما تشمل مختلف الطبقات التي تعيش ليومها فقط، ولذلك جاء سلوك اللبناني فريداً من نوعه ليس في المنطقة العربية وإنما في العالم بأسره ولذلك نجح كتاجر وفشل كسياسي لأنه تعاطى معها بأسلوب البائع والمروج، ولذلك جاءت النتائج مغايرة أدت إلى أن يتحول لبنان مطبخاً لكل الوجبات السياسية ومن يضعون مواصفاتها وبهارها وملحها، والنتيجة حرب أهلية قلبت الأمور فجاءت التحولات إخلالاً بموازين القوى الداخلية.. المهاجر والمقيم اللبناني يبقى (موضة) من خليط أوروبي وشرقي وبمذاق خاص، إلا أن عمامة «نصر الله» قلبت الأشكال والألوان، فقد استطاع أن يلغي دور الشكل إلى المضمون، فاستطاع أن يجري انقلاباً بمسار لبنان كله ولكنه ضاعف من أزماته، لأن الهوس بأنه صاحب رسالة يبدأ منها تاريخ لبنان ورسم مستقبله، وهنا الإشكال بالأزمة وتعقيداتها.. فقد صار بطلاً في نظر البعض بجلاء إسرائيل عن جنوب لبنان وقد قيل إنها صفقة بين الطرفين رغم مسرحية إطلاق النيران من الطائرات والدبابات، وقد ذهب نصر الله أن يتوج نفسه بطلاً في محيط عربي يعشق هذه الصفات، ومد قدمه لأبعد من خطواته بتدخله بسوريا مدركاً أن مصيره معلق بوجود الأسد وطائفته، فكانت الخطيئة والورطة التي جاءت أخطر من اللعبة مع إسرائيل، لأن الباب الذي فتحه أسس لعداوة مع شعب يفوق تعداد لبنان خمس مرات ومع طائفة سنّية بادر بإيقاظ شعورها الطائفي وتكريسه، ولعل أحداث تفجيرات الضاحية والتي أعتقد كل اللبنانيين أنها بمأمن من أي هجوم مباشر أو غير مباشر بدأت تشهد على أنها هدف يصعب تحصينه، ومن الهشاشة للوصول إلى تخوم تحصيناتها.. التورط بسوريا وقبلها خدعة الذات بتضخيم قوة حزب الله، قسمّت اللبنانيين والذين لا يحتاجون لمثل هذا التقسيم، فذهب بعض المسيحيين في لبس عمامة الشيخ، وآخرون مرة يتحالفون مع مسلمين سنّة، وأخرى مع فريق جنبلاط، وفي هذه المسرحية بدأت تظهر معالم تسلح السنّة والاندفاع لأن تكون لهم قوتهم، وجاء الدعم من مصادر مختلفة لأن الجيش لم يعد يملك القدرة على تحييد تلك الفصائل أو حماية الدولة من تداعيات الأزمات المتلاحقة، ولذلك أصبحت الزعامات التقليدية خارج حسابات جيل جديد تربى على وقع الحرب الأهلية، وفرز نفسه بأنه مختلف بتفكيره ومظاهر (الموضات) لأن الأمر يتعلق بمصير وحياة أغلبية تريد أقليةٌ احتواءها بالقوة.. الحريري أخطأ بخروجه من بلده، وحالياً يريد أن يقبل بمشاركة سياسية ولكن بخروج حزب الله من لبنان، وهو شرط يراه الطرف المقابل انتحاراً لأنه يعرف أن من يقرر ذلك آيات إيران، لا ساسة لبنان ومحور الأزمة متعلق بمستقبل سوريا والتي هي النبض للقلب اللبناني، لأننا لم نجدها محايدة منذ استقلال البلدين وحتى اليوم بما سمي بتلازم الأدوار والمصالح وعلى ذلك فلبنان يبقى مسرحاً لتفاعل المجريات المعقدة بسوريا والمنطقة كلها..
مشاركة :