لا تظنوا أن العاشقين للوضوح والحرية بلا أطفال، ولا ألبوم ذكريات ولا بنات حلوات يذهبن إلى المدرسة؛ بل لديهم مثل ما لديكم من الأشياء الحميمية التي يخافون عليها، وربما ما هو أكبر وأجمل، ولكن الفرق يأتي من الشعور العالي بقيمة التاريخ، وبما سيكتبه ذات هجوم كاسح على مواقع النجوم، ونمطية الترهل.. الصحافة لعبة ميتة من الأساس في هذا العصر الفاتح لكل الأبواب المغلقة، ومحاولة التشبث بقارئ واحد تبدو أصعب من فتح مدينة عربية بجيش عجمي؛ لكن القدرة على تجسيد الحلم هي التي تصنع الفارق، وتلون المساحات الداكنة كي يشتاق الناس إلى المضمار، وهذا ما فعله قينان الغامدي ويفعله في كل وقت، وبالتالي فهو لم يكن متفائلاً أكثر من اللازم حينما أشعل أوراق الصحافة بالأمل، والحرية، وحاول خلق فراشات تحلق بجناحي نسر، ولم يتوكأ على قلم من الرصاص كي يحارب جبهة خراب أبدية كما يظن بعضهم، وإن أشبهت كلماته الرصاص فإن السبب يعود لإيمانه القوي أن روعة المستحيل، وبهاءه وقبلاته الحارة؛ تتجسد في استنبات وردة باذخة من قلب رصاصة مختلة، وتسونامي تطفو على سطحه العمائم. ألا يكفيه أن المنصفين اليوم يؤكدون أنه كان اختياراً «تأسيساً» موفقاً لصحيفتين صنع بهما الفارق، وزعزع بهما أعمدة السقوف؟ فهل يلام الحر باختياره الحرية؟!! قسوة الأيام أن لا تقولوا للمحسنين أحسنتم وهم أحياء، وأن تمنعكم طقوسية الكتابة ورتابة الأيام من وضع الأيقونات في مكانها العالي الذي تستحقه.. دعونا نشكر قينان وغيره من المبدعين، ونستمتع بعمنا المبارك قبل فناء العمر، وغياب البهاء؛ ففي البدء يبقى الكاتب مواطناً صالحاً مهما علت النبرة، وتشكلت جزر العزل المتخيلة، ومهما ظن العابرون أن الاحتراق لحظات عبث لا يجدي؛ بل هو يجدي ويجدي. يوماً ما سيتقاعد الكتبة من جيلي ومن الأجيال التي سبقت إلى الوجع والأنين، ومواويل داحس وداعش والغبراء، وسيعودون إلى قراهم وأزقتهم القديمة مغفوراً لهم بمشيئة الله؛ كي يريقوا ما بقي في جوف الكلمات، وما اختبأ بين أسنان الكيبورد ذات كتابة لا تعرف السقف ولا السأم. إنه قدر المفاتيح في كل عصر حينما تكون أكبر من ثقب الباب، ولا أظنهم سينسون رائحة الماء، ودفقة الحبر الأولى، ونثريات العطر، وحلاوة أوراق الشجر الأخضر ذات هجير؟؟ سيتصالح بعضهم مع التقاعد وسيحاولون أن يقصوا كامل التجربة.. أتخيلهم من الآن يجلسون تحت شجرة خضراء، ويشرحون لأحفادهم قيم وأيقونات الحرية؛ وسيبدأون عنوان الدرس بصفحة واحدة تختصر عمر الورق وتعب الفراشات الملونة: قينان عبدالله الغامدي؛ أما التعريف فواحد أبدي لا يتغير: هو رجل بسيط تهاوت على يديه بعض الخطوط الحمر، وأتعب كل القادمين من خلف ستار، والمرتعشين أبداً على كرسي حلاق!! *** الجمعة القادمة: شــــــيخ لا يعرفه التليفزيون!
مشاركة :