همسات رمضانية / تجلٍّي الرب لعباده - إسلاميات

  • 6/17/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هذه مجموعة متنوعة من الهمسات الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أستاذ الشريع والدراسات الإسلامية بكلية الشريعة - جامعة الكويت وإمـام وخطيب المسجد الكبير بدولة الكويت. إنَّ الربَّ تعالى قد تجلَّى لعبادِهِ في مُحكم آياته؛ بجلال أسمائِهِ وجمال نُعوته وكمال صفاتِهِ، فتارةً يتجلَّى العليُّ العظيمُ لعبادِهِ في إزارِ الهيبةِ والعظمةِ والجلالِ، فتخضعُ الأعناقُ وتنكسرُ النُّفوسُ وتخشعُ الأصواتُ من الإجلال. وتارةً يتجلَّى الجميلُ الجليلُ في صفاتِ الجمالِ والكمالِ، فيستنفدُ حبُّهُ مِنْ قلبِ العبدِ قُوَّةَ الحُبِّ كُلَّها بِحُبِّ مَا عَرَفَهُ مِنْ أسماءِ الجلالِ وصفاتِ الكمال ونُعوتِ الجمال، فيصبحُ فؤادُ عبدِهِ فارغاً إلا مِنْ محبَّتِهِ، وجوارحهُ مُتذلِّلة في طلب مودَّتِه، فإذا أرادَ مِنْهُ غَيْرُهُ أنْ يُعلِّقَ تِلكَ المحبَّةَ والذُّلَّ بِهِ أعرض القلب والأحشاء؛ ونفر منه وتولَّى عنه وأبى ذلكَ عليه كُلَّ الإبَاءِ. وإذا تجلَّى البَرُّ الرَّحيمُ بصفاتِ الرَّحمةِ والامتنان؛ والبِرِّ واللُّطفِ والجُود والكرم والإحسانِ: انبعثت قُوَّةُ الرَّجاءِ مِنَ العبدِ وانْبسطَ أملُهُ وقَوِيَ طمعُهُ في المأمول، وسارَ إلى ربِّهِ وحادِي الرَّجاءِ يَحدُو ركابَ سيرِهِ رغبة في الوُصول، فكُلَّما قَوِيَ الرَّجاءُ والأمل: جدَّ واجتهد فِي العملِ. وإذا تجلَّى العزيزُ الحكيمُ بصفاتِ العدلِ والغضبِ والسَّخطِ والعُقوبةِ والانتقامِ: انقمعتِ النَّفسُ الأمَّارةُ وانقبضتْ أعنَّةُ رُعوناتِها وأحجمت عن الإجرام، فأحضرت المَطيَّةُ حظَّها مِنَ الخوفِ والخشيةِ والحذرِ، واستحضرت إن لم تُقلع ما سيلحقها من الفتن والضَّرر. وإذا تجلَّى السَّميعُ البصيرُ بصفةِ السَّمعِ والبصرِ والعلمِ: انبعثَ مِنَ العبدِ خُلقُ الحياءِ والأناة والحلم، فلا يَراهُ ربُّه على ما يكرَهُ؛ ولا يسمع مِنهُ ما يكرَهُ، ولا يُخفِي فِي سريرَتِهِ مَا يمقتُهُ ربُّه تعالى عليهِ، ولا يُظهر في علانيته ما يُسخطه ولا يدنو إليه، فتبقى حركاتُ العبدِ وأقوالُهُ وخواطرُهُ موزونةً بميزانِ الشَّرْعِ، غيرَ مُهملةٍ ولا مُرسلةٍ تحتَ حُكمِ الهوى والطَّبْعِ. وإذا تجلَّى الحفيظُ الحسيبُ بصفاتِ الكفايةِ والحَسْبِ والقِيامِ بمصالحِ العبادِ وسَوْقِ أرزاقِهِمِ إلَيْهِمْ؛ ودفعِ المصائبِ عنهُمْ ونصرِهِمِ وحمايتِهِم ومعيَّتِهِم الخاصَّةِ لهُمْ: انبعثتْ مِنَ العبدِ قـُوَّةُ التوكُّلِ عليهِ؛ والإيواء إلى رُكنه الشَّديد وتفويضِ الأمرِ إليهِ. وإذا تجلَّى الجبَّارُ المُتكبِّرُ بصفاتِ عِزِّه وكبريائِه وجبرُوتِه: أعطت نفسُ العبدِ المُطمئنةُ ما وصلتْ إليهِ مِنَ الذُّلِّ لعظمتِهِ والانكسارِ لعزَّتِهِ اللائق بملكُوتِه، فيخضع القلب لكبريائِهِ؛ وتخشع الجوارح لعليائِهِ. وإذا تجلَّى اللهُ الصَّمدُ بصفاتِ الإلهيَّة: شهدَ العبدُ صفاتِ المحبَّةِ والوُدِّ لذاته العليَّة، فيشتاقُ إلى لقاءِ ربِّه ومولاه؛ ويأنسُ ويفرحُ ويُسارع في رضاه، ويتزلَّفُ إليه بخدمتِهِ؛ ويتودَّدُ إليهِ بطاعتِهِ، ويلهجُ بذكرِهِ وشُكره وحُسن عبادته ويفرُّ مِنَ الخلقِ إليهِ، حتَّى يصيرَ هُوَ وحدَهُ همَّهُ دونَ مَا سِواهُ فيُقبل بوجهه عليه. وإذا تعرَّفَ العبدُ على ربِّه تعالى بصفاتِ ونُعوت الربوبيَّةِ: أوجبَ له ذلك التوكـُّـلَ عليه في شؤونه الدِّنيَّة والدُّنيويَّة، فيستشعر العبد كماله غناه وشدَّة الفاقة والإملاق والفقر إليه، وأنَّه المقصود الذي يُستعانُ بهِ ويُخضعُ له ويُنكسرُ بَيْنَ يَدَيْهِ. ورأسُ الأمرِ وعمودُهُ وذِروَةُ سنامِه: أن يشهدَ العبدُ أن لهُ مَلِكاً قيُّوماً فوقَ عَرْشِهِ المجيد، يُدبِّرُ شُؤونَ مملكتِه ويأمرُ وينهى العبيدِ، فيأمرُ بالرَّشادِ؛ وينهى عن الفسادِ، ويرضى فيُثيب فضلاً؛ ويغضبُ فيُعاقبُ عدلاً، ويُعطي ويمنعُ؛ ويخفضُ ويرفعُ؛ ويَرى مِنْ فوقِ سَبْعٍ ويَسمعُ، لا تتحرَّكُ ذرةٌ فما فوقـَها إلا بإذنِهِ ومشيئتِه؛ ولا تسقطُ ورقةٌ إلا بعلمِهِ وإحاطتِه. فحينئذٍ يكون العبدُ وهواه؛ تبعاً لقول سيِّده ومولاه: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}. ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً؛ وفي الآخرة حسنةً؛ وقنا عذاب النَّار. الأستاذ الدكتور وليد العلي w-alali@hotmail.com

مشاركة :