همسات رمضانية / النفس الأمارة والنفس المطمئنة - إسلاميات

  • 6/21/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هذه مجموعة متنوعة من الهمسات الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أستاذ الشريع والدراسات الإسلامية بكلية الشريعة - جامعة الكويت وإمـام وخطيب المسجد الكبير بدولة الكويت. اقتضت رحمة ربِّه العزيز الرَّحيم به: أن أعان العبد بجُندٍ؛ وأمَّده بمددٍ يُقاوم به جُند الشَّيطان الذي يُريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيَّده بمَلَكٍ كريمٍ يُقابل عدوَّه الشَّيطان، فإذا أمره الشَّيطان بأمرٍ: أمره المَلَك بأمرِ ربِّه؛ وبيَّن له ما في طاعة العدوِّ من الهلاك، فهذا يُلمُّ به مرَّة وهذا مرَّة، والمنصور من نصره الله عزَّ وجلَّ، والمحفوظ من حفظه الله تعالى. وجعل له مقابل نفسه الأمَّارة: نفساً مُطمئنَّة، إذا أمرته النَّفس الأمَّارة بالسُّوء: نهته عنه النَّفس المُطمئنَّة، وإذا نهته الأمَّارة عن الخير: أمرته به النَّفس المُطمئنَّة، فهو يُطيع هذه مرَّة وهذه مرَّة، وهو للغالب عليهما منهما، ورُبَّما انقهرت إحداهما بالكُليَّة قهراً لا تقوم معه أبداً. وجعل له مُقابل الهوى الحامل له على طاعة الشَّيطان والنَّفس الأمَّارة: نُوراً وبصيرة وعقلاً يردُّه عن الذَّهاب مع الهوى، فكُلَّما أراد أن يذهب مع الهوى: ناداه العقل والبصيرة والنُّور: الحذر الحذر، فإنَّ المهالك والمتالف بين يديْك، وأنت صيد الحراميَّة وقُطَّاع الطريق إن سرت خلف هذا الدَّليل، فهُو يطيع النَّاصح مرَّة: فيبين له رُشده ونُصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرَّة: فيُقطع عليه الطَّريق ويُؤخذ ماله وتُسلب ثيابه، فيقول: تُرى من أين أُتيت؟! والعجب أنَّه يعلم من أين أُتي! ويعرف الطَّريق التي قُطعت عليه وأُخذ فيها ويأبى إلا سلوكها! لأنَّ دليلها قد تمكَّن منه وتحكَّم فيه وقوي عليه، ولو أضعفه بالمُخالفة له وزجره إذا دعاه ومُحاربته إذا أراد أخذه: لم يتمكَّن منه، ولكن هُو مكَّنه من نفسه، وهُو أعطاه يده، فهُو بمنزلة الرَّجل يضع يده في يد عدوِّه فيأسره ثُمَّ يسومه سُوء العذاب، فهو يستغيث فلا يُغاث، فهكذا العبد يستأسر للشَّيطان والهوى ولنفسه الأمَّارة: ثُمَّ يطلب الخلاص؛ فيعجز عنه. فلمَّا أن بُلي العبد بما بُلي به: أُعين بالعساكر والعُدد والحُصون، وقيل: قاتل عدوَّك وجاهده، فهذه الجُنود خُذ منها ما شئت، وهذه الحُصون تحصَّن بأيِّ حصنٍ شئت منها؛ ورابط إلى الموت، فالأمر قريبٌ، ومُدَّة المُرابطة يسيرةٌ جدًّا، فكأنَّك بالمَلِك الأعظم وقد أرسل إليك رُسله فنقلوك إلى داره؛ واسترحت من هذا الجهاد، وفُرِّق بينك وبين عدوِّك، وأُطلقت في دار الكرامة تتقلَّب فيها كيف شئت، وسُجن عدوُّك في أصعب الحُبوس وأنت تراه، فالسَّجن الذي كان يُريد أن يُودعك فيه: قد أُدخله وأُغلقت عليه أبوابه؛ وأيس من الخروج والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك وقرَّت عينك: جزاء على صبرك في تلك المُدَّة اليسيرة؛ ولُزومك الثَّغر للرِّباط، وما كانت إلا ساعة ثُمَّ انقضت، وكأنَّ الشِّدَّة لم تكن. فإن ضعفت النَّفس عن مُلاحظة قصر الوقت وسُرعة انقضائه: فليُتدبَّر قوله عزَّ وجلَّ: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) ﴾ [سُورة النَّازعات: الآية 46]. فليتأمَّل العاقل النَّاصح لنفسه هذا، وليعلم أيُّ شيءٍ حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي في الدُّنيا بأسرها؟ ليعلم أنَّه في غُرورٍ وأضغاثِ أحلامٍ، وأنه قد باع سعادة الأبد والنَّعيم المُقيم: بحظٍّ خسيسٍ لا يُساوي شيئاً، ولو طلب الله تعالى والدَّار الآخرة: لأعطاه ذلك الحظَّ موفوراً وأكمل منه، كما قال الحسن البصريُّ: (يا ابن آدم؛ بع دُنياك بآخرتك: تربحهما جميعاً، ولا تبيعنَّ آخرتك بدُنياك: فتخسرهما جميعاً). وقال معاذ بن جبلٍ: (إنَّه لا غنى بك عن دُنياك، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، إذا عرض لك أمران: أحدهما الدُّنيا وأحدهما الآخرة؛ فبدأت بنصيبك من الدُّنيا: فاتك نصيبك من الآخرة, وإن بدأت بنصيبك من الآخرة: مرَّ بنصيبك من الدُّنيا؛ فانتظمه لك انتظاماً فدار به معك حيث دُرت). ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً؛ وفي الآخرة حسنةً؛ وقنا عذاب النَّار. w-alali@hotmail.com

مشاركة :