في ظل درجة حرارة تتخطى حاجز الـ40 درجة مئوية، تتشقق الشفاه الصائمة من فرط الظمأ، إذ يقاوم الرعاة قسوة الصحراء المكشوفة بأشعة الشمس الملتهبة وطول نهارها، ليمارسوا نشاطهم اليومي ومتطلبات الوظيفة، ويظلون بجانب أبناء البادية في محافظة بيشة يرقبون قرص الشمس حتى إذا اقترب من حضن الغروب ساروا إلى مساكنهم «خيام الشعر» لترتوي الأكباد العطشى من ماء «القربة» الزلال وبعض من التمر و«دلة القهوة»، يعقب ذلك شيئا من الخبز المصنوع على الجمر والسمن وحليب الإبل. إفطار ساكني الصحراء البعيدين عن المدن، يكون بسيطا ومن نتاج البيئة. وبعد أن تؤدى صلاتا العشاء والتراويح يجتمع الجيران لجلسات السمر التي تتنوع بين المزح والقصص والقصائد والأحاجي والألعاب الشعبية البسيطة في فعالية اجتماعية. وما إن تتثاءب الصحراء تخلد الأجساد الكادحة إلى النوم لتستيقظ سحرا على حبات من تمر وجرعات من الماء أو اللبن كوجبة سحور تساعدهم في صيام يوم يمتلئ مشقة وتعبا وحالما تنقضي صلاة الفجر يهب الجميع لممارسة روتين حياة لا يقبل الاستثناءات من رعي للإبل والغنم وجلب الماء. ويقارن جيل الآباء والأجداد حياتهم السابقة بالواقع اليوم بذهول، حيث تغير كل شيء فيقول محمد البيشي: «لقد تطورت الحياة وأصبح كل شيء متيسرا، ففي السابق كنا نجد صعوبة حتى في معرفة دخول شهر رمضان، والبعض ربما لا يعرف إلا في اليوم الثاني وذلك بسبب غياب وسائل الإعلام وفي أحسن الأحوال يكون الراديو هو من يذيع خبر رؤية الهلال، أما اليوم فأصبحنا نعرف بدخول الشهر ورؤية الهلال حتى قبل صلاة المغرب، كما تعددت المآكل والمشارب ووسائل الراحة لدرجة أن إنسان اليوم لا يشعر بمشقة الصيام بينما في السابق كنا نشرف على الهلاك». وحياة الرعاة في الصحاري تبدو أكثر قسوة، فعثمان الذي يرعى الإبل في صحراء بيشة، لا يجد غضاضة بالبوح أن الصوم يرهقه، مستدركا «لكنني أحتسب الأجر، فأنا أصوم في ظروف صعبة وأطلب الله القبول»، فيما تقوي المهنة الصعبة جأش الرجال، وتجعل منهم معايشين للصحراء ووجهها القاسي.
مشاركة :