ثلاثمائة عام من العبودية والتحرر و«العودة إلى الوطن»

  • 6/18/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في رواية أولى قوية وواعدة بقدوم صوت روائي ناضج إلى المشهد الروائي المكتوب باللغة الإنجليزية، تقدم الكاتبة (يا جياسي)، التي ولدت في غانا ونشأت في مدينة هانتسفيل في ولاية ألباما، عملاً سرديًا ذا طابع ملحمي مركب متعدد الأبعاد الزمنية والثقافية يغطي ثلاثمائة عام من تاريخ غانا، ويكون في نفس الوقت وبصورة ما رواية أمريكية ذات مساس بجزء مهم من تاريخ الولايات المتحدة ومكونا أساسيا من مكوناتها السكانية. تتمحور أحداث الرواية حول حياة أختين غير شقيقتين هما إيفيا وإيسي اللتان تولدان في قريتين مختلفتين في غانا القرن الثامن عشر. تتزوج إيفيا من رجل إنجليزي وتعيش حياة هانئة في قلعة كيب كوست، في حين تقبع أختها إيسي دون علم منها في زنزانة من زنزانات القلعة، ليتم بيعها من بين آلاف الغانيين الآخرين إبان ازدهار تجارة الرقيق في ذلك الحين في أفريقيا، ومن ثم تؤخذ إلى أمريكا حيث ستنشأ هي وينشأ أبناؤها وأحفادها في عبودية مقيتة وبائسة. أحد خيوط السرد في الرواية يتتبع سلالة إيفيا عبر قرون من الحروب في غانا بين شعبي الفانتي والأسانتي من جهة، وبين تجارة الرقيق والاستعمار البريطاني. أما خيط السرد الآخر فيتتبع الرحلة الشاقة لإيسي وأبنائها في أمريكا، بدءًا من مزارع العبيد في الجنوب إلى الحرب الأهلية والهجرة الكبرى، ومن مناجم الفحم في ألباما إلى نوادي الجاز في هارلم القرن العشرين. فيما يلي نقدم للقارئ الكريم ترجمة للصفحات الأولى من الرواية الصادرة مؤخرًا هذا العام: في الليلة التي ولدت فيها إيفيا أوتشر في حي فانتي لاند الفائح بالعطر، اندلعت نارٌ خلال الغابة على مقربة من مخيم والدها، كانت النار تتحرك مسرعة، شاقة طريقًا لها على مدى أيام، كانت تعتاش على الهواء، وكانت تنام في الكهوف وتختبئ في الأشجار؛ كانت تتضرم، عاليًا وفي كل مكان، غير آبهة بالخراب الذي تخلفه وراءها، إلى أن وصلت إلى إحدى قرى الأسانتي، حيث اختفت هناك وتوحدت مع عتمة الليل. ترك والد إيفيا، كوبي أوتشر، زوجته الأولى، بآبا، مع الطفلة الجديدة حتى يتمكن من استطلاع الدمار الذي لحق بأشجار اليام الخاصة به، أثمن المحاصيل المعروفة على نطاق واسع بإعالتها للأسر، فقد كوبي سبعًا من شجرات اليام، وأحس بأن كل واحدة منها كانت بمثابة الكارثة لأسرته، أدرك حينها أن ذكرى النار التي اندلعت، ثم تلاشت، ستطارده، وأطفاله، وأطفال أطفاله ما بقيت سلالته ممتدة، وحين عاد إلى كوخ بآبا ليجد إيفيا، طفلة نار الليل، ترسل صراخها في الهواء، التفت إلى زوجته وقال: «لن نتحدث أبدًا عما حدث اليوم». شرع سكان القرية في القول: إن الطفلة ولدت من النار، وإن ذلك كان سبب جفاف صدر بآبا. تولت زوجة كوبي الثانية رضاعة إيفيا، وكانت قد أنجبت ولدًا قبل ذلك بثلاثة أشهر، كانت إيفيا تجد صعوبة في التقام الثدي، وحين تفعل، كانت لثتها الحادة تقضم ما حول حلمتي المرأة حتى باتت تخاف من إرضاع الطفلة، وبسبب ذلك، أصبحت إيفيا أكثر نحافة، وكانت محض جلد يغطي عظام عصافير، مع حفرة سوداء كبيرة هي فمها الذي كان ينفث صرخة جائعة كانت تُسمع في كل أرجاء القرية، حتى في الأيام التي كانت بآبا تبذل قصارى جهدها لتهدئتها، مغطية شفتي الطفلة بالراحة الخشنة لكفها اليسرى. كان كوبي يأمرها قائلًا: «أحبيها»، كما لو أن الحب في مثل بساطة أن ترفع الطعام من وعاء لتصل به إلى شفتيك، في الليل، كانت بآبا ترى في منامها أنها تركت الطفلة في الغابة ليفعل بها الإله نيامي ما يحلو له. كبرت إيفيا. وفي الصيف الذي تلا عيد ميلادها الثالث، أنجبت بآبا ولدها الأول. اسم الولد كان فييفي، وكان بدينًا جدًا حتى أن إيفيا كانت أحيانًا، حين لم تكن بآبا تنظر، تدحرجه على الأرض مثل كرة. في اليوم الأول الذي سمحت فيه بآبا لإيفيا أن تحمله، أسقطته من غير قصد. تقافز الطفل على مؤخرته، واستقر على بطنه، ورفع رأسه عاليًا صوب من كانوا في الغرفة، غير عارف ما إن كان عليه أن يبكي أم لا، قرر ألا يبكي، ولكن بآبا، التي كانت تخلط (البانكو)، رفعت العصا التي تستخدمها للخلط وضربت إيفيا على ظهرها العاري، وفي كل مرة كانت العصا ترتفع فيها بعيدًا عن جسد الطفلة، كانت تترك وراءها قطعًا حارة لزجة من البانكو التي حرقت جسدها، وفي الوقت الذي انتهت فيه بآبا، كانت إيفيا مغطاة بالجروح... عاد كوبي إلى المنزل ليجد زوجاته الأخريات يعتنين بجراح إيفيا وفهم على الفور ما الذي حدث، خاض مع بآبا شجارا طوال الليل، وكان بوسع إيفيا أن تسمعهما عبر جدران الكوخ النحيفة حيث كانت تستلقي على الأرض، متنقلة بين النوم واليقظة من أثر الحمى. في الحلم الذي كانت تراه، كان كوبي أسدًا وبآبا شجرة، اجتث الأسد الشجرة من الأرض حيث كانت تنتصب ودسها في التراب رأسًا على عقب، مدت الشجرة أغصانها معلنة احتجاجها، فما كان من الأسد إلا أن انتزعها، واحدًا تلو الآخر، شرعت الشجرة في البكاء وبدا نمل أحمر ينزل عبر الشقوق في لحائها، ليستقر عند التراب الناعم حول أعلى جذع الشجرة. وهكذا بدأت السلسلة، بآبا تضرب إيفيا، كوبي يضرب بآبا، وما إن بلغت إيفيا العاشرة من عمرها حتى صار بوسعها أن تتلو تاريخًا من الندوب على جسدها، صيف عام 1764م، حين كسرت بآبا ثمار اليام على ظهرها، ربيع 1767م، حين هشمت قدمها اليسرى بصخرة، محطمة إبهامها حتى صار الآن نافرًا وبشكل دائم عن أصابع قدمها الأخرى، ومقابل كل ندب على جسد إيفيا، كان هناك ندب آخر على جسد بآبا، ولكن ذلك لم يوقف الأم عن ضرب البنت، ولا الأب عن ضرب الزوجة.

مشاركة :