قراءة / الخطاب الشعري... في قصائد العمانية سعيدة خاطر - ثقافة

  • 6/18/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ارتبط الأدب والفن بكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية، على اعتبار ان الأدب والفن إنتاج فكري إنساني خالص، فالأديب أو الفنان واحد من الناس يعيش معهم ويشاركهم افراحهم واحزانهم. ويظهر لنا هذا من خلال المنتج الأدبي والفني والأديب والفنان يختلف عن غيره من الناس بطريقة التفكير والرؤية والإحساس والمشاعر، فهو كائن شفاف ذو حس عال ويعتبر صوت الناس والمعبر عن مشاعرهم، فهو ينظر لكل شيء في محيطه بطريقة خاصة أو يحس بما حوله بخاصية ثم يترجمها الى عمل إبداعي. ولهذا فالكثير من الأعمال الفنية والأدبية كانت عبارة عن أحاسيس او تعبير عن حالة مر بها المبدع او حدث مهم اثر في المجتمع، فصوره الأديب على شكل عمل، مثل لوحة الفنان الإيطالي الشهير دافنشي «العشاء الأخير»، حيث صور فيها الخيانة الدينية التي قام بها يهوذا الذي كان احد حواريي المسيح (ع) لكنه خانه (ع). وهناك اعمال فنية وأدبية تحدثت عن هموم الناس، فظهرت مسرحيات وقصص وروايات ولوحات تتحدث عن كوارث ونكبات مرت بها البشرية بتاريخها الطويل، كما ظهر أدب الحرب الذي تناول مجموعة من المعارك، وكان للشعر حضور مميز على اعتبار انه اكثر من بقية الفنون التصاقا بالمجتمع. فقصيدة الشاعرة نازك الملائكة، «النهر العاشق» تجسد حادثة غرق بغداد بفيضان دجلة الشهير الذي اغرقها كلها العام 1954. وشعر بدر شاكر السياب ولوركا ومحمد الماغوط، يحمل الكثير من القضايا وهموم الناس. والشعر الفلسطيني ذو نبرة جهادية ودعوة للمقاومة بسبب الاحتلال. كما اتجه الكثير من الشعراء العرب للكتابة عن القضية والوطن منهم الشاعرة العمانية سعيدة الخاطر، حيث تقول في احد نصوصها: «الحب لك انت وكل الغزل انت وأنت ضمير القلب وحدك تربعتي يا ساكنة دروبي يا كحل فهدوبي شابت حروف القول... وانت اللي ما شبتي يا بسمة شفاهي يا عمرنا الزاهي نامت عيون الشمس وانت اللي أشرقتي الله يا بلادي». خطاب توجهه الشاعرة الى وطنها، وتتنوع في رسم الصور، فهي تشبهه بالبسمة وعمره تربعها على عرش القلب، ومع كل هذا التعدد ظل محافظاً على بنية العمل، أي فكر ما طرحت. ويعود هذا التنوع إلى قدرتها على صناعة نص مفتوح قابل للتداخل حيث لا يؤثر على المضمون في سياقاته النصية، وبناء الدراما الكتابية يظهر عنصر المفاجأة عند الشاعرة التي أوهمنا انها تخاطب الحبيب، لكن المقصود عمان مدينتها، وكان توظيفه للغزل في بداية النص عملية جذب للقارئ. وهذا الأسلوب كان معتمدا عند شعراء العرب القدماء فكانت بداية قصائدهم غزلاً، ثم الدخول الى العمل وطرح المنتج. ونلاحظ ان شاعرتنا تصف بلياقة فنية صورها والصعود بتعبيرها عن شيب الحروف أنها ثقافة المكان التي اشتغل عليها كل من باشلار وفوكو، وهي السرد نيابة عن الأشياء والأماكن... واغمسْ شعورَكَ في حكمةِ التغابي فالأسئلةُ سريرُ الفتنةِ... لعنَ اللهُ من سحبَ غطاءَها بل الأسئلةُ حقولُ ألغامٍ في كلِّ سؤالٍ مئةُ لغمٍ تبعثرُ الغارسَ والمغروس له كيف تشاءْ لا تسألني كم حاصلِ جمع التشرذم العربي إنهم يمتهنونَ التغابي وحكمةَ الضربِ فاضربْ برأسِكَ عرضَ القهرِ المروءةُ نائمةٌ تكمن الصعوبة بالبوح الشعري في المجتمع الشرقي الملتزم بقيم ومثاليات وكبت للحريات، فلا يستطيع الشاعر العربي البوح بكل ما يجول بخاطره. فوجد في قصيدة الحر والنثر الحداثوية متنفساً يعتمدان على الإيجاز، والتوهج. كما يذهب بهذا الشاعر اللبناني انسي الحاج ومن صفاتها الاختزال والانزياح بصورها المضغوطة. تقول الناقدة الفرنسية سوزان برنار ان قصيدة النثر «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور... خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية». ومن خلال هذه القصيدة نجد بنت خاطر توصل ما في داخلها لكن بطريقة رمزية... دعها ولا تكنْ من الموقظين لا تسألني كم حاصلِ طرحِ المتخاذلين فالعروبةُ لا تطرحُ من أوطانِها إلا من له قلبٌ سليمْ هل تسألني كم حاصل قسمة الموت اليومي؟!! بغدادُ تجيبكم من ذاكرةٍ طرحتْ وقسمتْ وضربتْ حتى سجلَ جدولُ ضربِها اليومي كان ارسطو يعتبر الشعراء مفكرين وعباقرة لما يكتبون من إبداعات، واعتقد الاغريق ان الآلهة تتقمص أجساد الشعراء وتنطق على لسانهم، فنجد الشاعرة العمانية تتحدث بطريقة فكرية، وهي تتمرد من خلال وضع ما تطرحه في خانة الوطنية مشتغل على الحدث وبنية إيقاعية وحماسية. ولم توحد سعيدة خاطر في الخطاب، الذي جعلته مفتوحا معبرة من خلاله عن الحالة فكان أشبه برسالة مفتوحة او محاكاة لواقع مرير، ومع هذا فقد حمل العمل جوانب فنية جعلته يرتقي الى ان يكون نصا متكاملا وظهرت ملاحمه الإبداعية في التعبير عن بغداد التي تجيئهم بالذاكرة، فظل النص قابلا للتأويل وتحت حكم المتلقي الذي وصفه امبرتو ايكو الناقد الايطالي الكبير بالممول.

مشاركة :