في ضحى مثل هذا اليوم أي في الـ 19 من يونيو 1961 كانت الكويت على موعد لنقلة سياسية مفصلية من إمارة ترعى شؤونها الخارجية بريطانيا العظمى إلى إمارة حرة مستقلة كاملة السيادة تمتلك كامل زمام أمورها الداخلية و الخارجية و السيادة على كل أراضيها كان ذلك عندما تبادل الأمير الراحل المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح رسائل مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج السير وليم لوس الذي استقبله سموه رحمه الله في ديوانه بقصر السيف و بحضور القنصل البريطاني في الكويت جون ريتشموند الذي بموجبه ألغيت اتفاقية الحماية (يناير 1899) إلى اتفاقية صداقة بين الكويت و بريطانيا ... عندما أبرم الشيخ مبارك الصباح اتفاقية الحماية السرية مع الإنجليز لم يكن أمامه خيار ثالث ، فإما أن يحارب طواحين الهواء ضد غطرسة و مطامع الباب العالي أو أن يرضخ لإرادتهم هذا ناهيك عن الحروب و الغزوات و الإغارات التي كانت تدور رحاها على مشارف الحدود الكويتية بين القبائل المتصارعة ، هذا فضلاً عن أن الكويت بإطلالتها على مدخل الخليج العربي كانت تشكل المحطة الأبرز استخدام أراضيها ممرا لقوات التحالف أبان الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) ما جعل الصراع بين دول التحالف و دول المحور يزداد للاستحواذ على الكويت (مشروع سكة حديد برلين بغداد الكويت) و على الرغم من أن الإنجليز قد حددوا حدود الكويت في اتفاقية الحدود (1913) أي قبل نشوب الحرب العالمية الأولى ببضعة أشهر، إلا أنهم جعلوها سرية و لم يطلعوا الشيخ مبارك عليها مخافة من استفزاز الأتراك العثمانيين الذين كانوا إلى جانب دول المحور و لو نشروها لربما قد نالت الكويت في حينها على استقلالها و لكانت إحدى الدول المؤسسة لعصبة الأمم و تالياً الأمم المتحدة و لما تجرأ العراقيون الزعم ملكيتهم لها و لما اقُتطعت مساحات شاسعة من أراضيها ...!! في هذه العجالة لعل المناسبة تفرض علينا استذكار تاريخ استقلال الكويت ليس بهدف الإحاطة أو تسجيل موقف و إنما هناك لا زال الكثير من التاريخ غير المنشور و هناك الأكثر الذي لازال طَي الكتمان و لم تكشف عنه الدوائر الأجنبية التي كانت سفنها تجوب مياه الخليج الدافئة و تحط مراسيها في مرافئها و على الأخص الكويت التي استقبلت حينها سفناً غربية روسية و فرنسية هذا بخلاف سفن أمنا الرؤوم بريطانيا العظمى و التي أهم حدث زيارة حاكم الهند للكويت التي كانت مستعمرة بريطانية ... استقلال الكويت في يونيو 1961 كان الخطوة الأخيرة لسلسلة خطوات سبقتها مثل تسلم الكويت البريد من الإنجليز و انضمامها إلى عدد من الهيئات الدولية كهيئة الزراعة و الصحة و البريد و عضويتها في بعض الهيئات و المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية ، تذكر الوثائق البريطانية أن الشيخ عبدالله السالم يتطلع لاستقلال بلاده و تضيف أن الكويت مؤهلة لتكون دولة مستقلة ، يأتي ذلك فيما كان الإنجليز يستعدون للانسحاب من شرقي قناة السويس حيث نالت عدن و مجموعة سلاطين و مشايخ جنوب اليمن الاستقلال في أكتوبر (1967) و البحرين و قطر و الإمارات المهادنة و التي سميت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة في 1970، و الواقع أن عصر عبدالله السالم لم يكن أكثر هدوءاً و استفراراً من عصر جده الشيخ مبارك الكبير ، فالمنطقة كانت تمور بحروب (العدوان الثلاثي على مصر 1956) و ثورات (ثورة تموز 1958 على الملكية في العراق) و انقلابات و النزعات القومية و التحرير والاستقلال و شعارات الوحدة العربية و الاشتراكية و الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، لذا فخيار الاستقلال كان أكثر الخيارات التي حافظت على كينونة الكويت من التهديدات الداخلية أو الخارجية و إذا كان إعلان استقلال الكويت قد واجه مطالبات العراق بها إلا أن الإنجليز لم يكونوا غائبين عن المزاعم العراقية فكانوا استعدوا لأي طارئ ، إن الإنجليز بحكم وجودهم كدولة بحرية استعمارية أدركوا أهمية وجود الكويت و حماية كيانها ، فأهمية الكويت لا تكمن بمساحة الأرض أو النفط و إنما بالموقع المتميز والذي فتح شهية الطامعين ...!!! لقد ظلت الكويت منذ نشأتها تلعب دوراً في أحداث المنطقة و لن يؤخذ عنها هذا الدور فهو قدرها و قدر وجودها ، لذا علينا أن ندرك حجم المخاطر و المطامع التي تحيق بوطننا ، فاستقلال الكويت ليس بالغناء إنما بالبناء و بتمتين الروح الوطنية ، فلكي نحافظ على كيان و كينونة وطننا يجب أن نكون أقوياء من الداخل ، يجب ألا يغيب عنا الغزو العراقي الآثم ، ترى ماذا كان مصيرنا لو نجح صدام حسين بالاستحواذ على الكويت ، هل كان هناك وطن بديل عن الكويت ...؟؟؟!! حسن علي كرم
مشاركة :