من المظاهر الرمضانية المحببة إلى النفس والتي اختفت أو كادت أن تختفي ظاهرة المسحر، فلم نعد نسمع دقات طبله الكبير قرب السحور، ولم نعد نسمع شيلاته التي يصدح بها ليوقظ النائمين لأكلة السحر قبيل أذان الفجر. كان المسحر رمزًا من رموز رمضان.. كان يمر على المنازل والبيوت وهو يحمل طبله الكبير على صدره وهو يردد لا إله إلا الله.. سحور يا عباد الله، وكنا ونحن صغارًا نترقب دقات المسحر لنخرج معه ونردد شيلاته بنات وبنين وخاصة في ليالي وداع رمضان، وكنا نردد: يالوداع.. يالوداع، عليك السلام.. يا شهر الصيام. كان الناس في الماضي ينامون مبكرين بعد صلاة العشاء والتراويح، ولا يسهرون كما يحدث اليوم أمام شاشات التلفاز والكمبيوتر والإنترنت، فلم تكن هناك كهرباء ولا أنوار.. ولذلك كان اعتماد الصائمين على المسحر كبيرًا في إيقاظهم قبل أذان الفجر لتناول السحور.. ومن هنا ارتبطت كلمة المسحر بالسحور.. ومن هنا أيضا كان الناس يكرمون المسحر بإعطائه بعض الأموال والحاجيات بعد أن يمر عليهم في صبيحة أيام العيد بطبله الكبير وشيلاته الجميلة لاستيفاء المقسوم. وفي السنين الأخيرة تطورت مهنة المسحر فأصبح المسحر ليس شخصًا واحدًا كما كان في السابق، بل أصبحت مجاميع للشباب تخرج في سيارات بيكب وهم يحملون طبولهم وطاراتهم ويصدحون بشيلات التسحير والأغاني الحديثة وهم يمرون على الشوارع والأحياء والفرجان يهللون ويكبرون ويغنون بعضهم طمعًا للأجر وبعضهم طمعًا في الأجرة. والمسحر ظاهرة في جميع الدول الإسلامية.. ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر يسمى المسحر بالمسحراتي وله شيلاته المحببة ومنها: إصحا يا نايم.. وحد الدايم ويا نايم وحد مولاك.. اللي خلقك مش حينساك. ويقال بأن مهنة المسحراتي بدأت في مصر أيام الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي، لكن التسحير بدأ كمهنة وحرفة في بغداد زمن الدولة العباسية، وكان هناك مسحر للخليفة وأهل خاصته، كما كان هناك مسحر خاص لأهل كل حي. وكل رمضان، وكل شيلة يرددها المسحر في لياليه الجميلة والجميع بخير..
مشاركة :