لا يزال هناك الكثير من المدنيين الأمريكيين والأبرياء يخسرون حياتهم دون أن يعرفوا السبب أو كيف اخترق الرصاص أجسادهم، فيما يعرف المنفذوّن قاعدة واحدة يبنون عليها تفكيرهم وأفعالهم وردود أفعالهم حول ما يتعلق بالقضايا في العالم الإسلامي، وهذه القاعدة هي أن الولايات المتحدة الأمريكية رأس الشرّ في العالم،وهذا المصطلح لم يخرج حديثا ، بل إن أول من أطلقه الزعيم الإيراني وقائد الثورة آية الله الخميني، ومن هناك لمع نجم مصطلح الشيطان الأمريكي في العالم، وانتقل الى مجتمع الجهاد السني بعد قصف الطيران الحربي الأمريكي لليبيا ومحاولة قتل معمر القذافي، وبعدها الضربات الموجهة الى السودان، ثم انتهاء حرب إفغانستان وابتداء حرب البلقان. آخر عمليات القتل بالرصاص وقعت الأسبوع الماضي على ناد ليلي في مدينة أورلاندو الأمريكية، ومن أطرف الأخبار عن الهجوم هو تأييد رجل دين مسيحي أمريكي للعملية، وكان متمنيا أن يكون عدد الضحايا أكبر من ذلك، لأنهم لعنة على البشرية السوية والمسيحية، وهو يقصد بأن أولئك الضحايا هم فئة شاذة عن السلوك الأخلاقي الإنساني الذي يحافظ الإنجيل على قيمه، ولكن ذلك مجرد آماني شخصية، ولكنها دليل على أن هناك متعاطفين مع قتل الأبرياء من كل الأديان،بناء على تصنيفات فكرية أو عقدية أو سياسية. جميع الثوار والمحاربين والإرهابيين العالميين على خارطة الأرض يشتمون أمريكا، ولا يفرقون بين العسكريين الذين ينفذون تعليمات وأوامر وما بين قيادتهم الآمرة، ولا يفرقون بين جنود خضعوا للخدمة العسكرية وما بين عائلاتهم، غالبية العسكريين الأمريكيين يذهبون الى «حروب واشنطن الخارجية» دفاعا عن الأمن القومي الأمريكي،هذا هو المبدأ، تماما مثلما يفهم الأوروبيون ذلك،ولكن كثيرا من المقاتلين،خصوصا في العالم الإسلامي،ليسوا فلاسفة ولا مفكرين عظام، ليؤلفوا كتبا تبحث الفرق بين الجنود المحاربين الغزاة وقادتهم،وما بين المدنيين الأبرياء من عائلاتهم وبقية أفراد الشعب،وهم لم يقرأوا ولم يفهموا تعاليم القرآن الكريم و»النص الرسولي»وهو الأحاديث النبوية التي تحرم القتل والإيذاء لغير المقاتلين قطعا. إذا من عصر الخميني وحتى عصر خامنئي مرت على العالم العربي والإسلامي أحداث رهيبة من الحروب والإنتهاكات الإنسانية والأحكام القاسية و تراجع قيم الحرية والعدالة والعيش الكريم في أعرق البلاد تاريخا وثروات ورغد، العراق مثلا، والجميع يتفق على أن المشروع الأمريكي الذي دمرّ العراق بدولته الممتدة من بدايات القرن العشرين حتى 2003 هو السبب في ما وصلت اليه البلاد العربية المدمرة والمتصارعة، ويتهمون الولايات المتحدة الرسمية بأنها هي من ساعد على ذلك، والمستفيد الحقيقي هي إيران الدولة الثيوقراطية وحكامها المتطرفين دينيا أكثر من حكام العرب. إن تصاعد لغة خطاب الكراهية ضد الولايات المتحدة من جديد هو ما قد أسميه إعادة إكتشاف تاريخ الحروب الأمريكية في الشرق، ليس الشرق الأوسط فقط بل والأقصى أيضا، فكل من يقرأ عن حروب فيتنام وكوريا وافغانستان من الشباب،ثم يكبرون الى سن راشدة ويتجاوزون عقدة التاريخ، يخرج جيل من الشباب الصغار الذين يسمعون نفس الخطاب ويقرأون نفس التاريخ، فتتجدد روح الكراهية للعنصر الأمريكي،والأمريكيون لم يعودوا يهتمون بتقديم الوجه الآخر للمجتمع والتعاون الأمريكي. الولايات المتحدة التي تقدم للعالم الثالث مساعدات مالية مباشرة بمليارات الدولارات، وتتعاون بكل الطرق مع دول عالمنا عسكريا واستخباريا وتعليما، وتخرج من جامعاتها الآلاف من الشباب المتقدمين علميا، لا تزال تواجه الشتائم من العالم الشرقي والغربي، الأوربيون مثلا لا يحبون الأمريكان، مع أن الأمة الأمريكية جاء معظمها من أوروبا، واشترى المهاجرون الإنجليز نيويورك واستوطنوها وبعدها نهضت هذه الدولة العظيمة على قيم الحرية والعدالة وتغليب حق الفرد في المجتمع، ومع هذا لم يصل أي من قادة دولته الى مستوى فهم خصوصيات العالم الإسلامي والقبول بقيمهم كما يقبلون قيم الهندوس والزاردشت والبوذيين واليهود واللادينيين. إذا هل يمكن أن نلوم المرشح الرئاسي»دونالد ترامب» على تصريحاته المسيئة ضد المسلمين ومطالبته بمنعهم من الهجرة لبلاده؟ شخصيا أكرر ذلك، لا الومه ما دام هناك مضطربين نفسيا وفكريا ينقلون المعارك من جبهات القتال في الشرق المتخلف سياسيا الى شوارع المدن في الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وأي بلد آخر على وجه الأرض، لا تلوموا الشباب فهذا العقاب الأمريكي للعالم الثالث يعود ليعاقبكم لأن لا أحد يحاسب أخطاء القادة هناك، كما في عالمنا العربي. الراي
مشاركة :