بشيء من الاختزال المقبول علميًا ومنهجيًا يمكن القول، إن جماعة «الإخوان المسلمين» حالياً تعيش صراعًا داخليًا بلغ حدًا من الانقسام الرأسي أو العمودي الذي ربما لم تشهده الجماعة في تاريخها من قبل، بحيث صار هناك قيادتان ورأسان وهيكلان تنظيمان ومكاتب إدارية لكل فريق. لكن الأخطر من ذلك، أنه أصبح هناك فلسفتان أو طريقتان تعبران عن منهج «الإخوان» لتغيير الأمر الواقع في مصر منذ 3 يوليو العام 2013، أو مواجهته أو على الأقل كيفية التعامل معه. إلا أنني أركز هنا على نقطة واحدة، وهي خطورة تبنّي خيار المواجهة أو فلسفة العنف مع النظام، ذلك أن «العنف (ولو بالمعنى البسيط للكلمة) ليس خيارًا سياسيًا، وأن المواجهة العنيفة على الأرض (ولو في مساحات ضيقة) ليست خياراً سياسياً، لأن هذا الخيار جوهره ومؤداه العملي، هو منازلة النظام الحالي في نقطة قوته الوحيدة، وهي الاستخدام المطلق للقوة واعتماده كثافة النيران أسلوبًا وحيدًا لمواجهة المعارضين». لقد حسم النظام خياره السياسي في اللجوء إلى «الآلية الكبرى» في إعادة ترسيخ قبضة الدولة على مفاصل السلطة والمجتمع ومؤسساته الوسيطة، والإمساك بأطراف كل الخيوط والتحكم فيها من جديد، الأمر الذي أفرز لنا نتيجة من نوع آخر وهي أن المعركة «الشاملة» التي يخوضها النظام تجاه المعارضين - أيا كان توجههم السياسي- ينتج لنا معادلة من النوع الصفري (Non Zero Sum Game) يكون الخاسر فيها خاسراً لكل شيء. وفي «المعارك الصفرية» ليس هناك نصر كامل ونهائي، فحتى في حالة تحقيق الحد الأعلى وهو القضاء المبرم على الخصوم، فإن هذا النصر الوهمي كتب على نفسه الفناء ولو بعد حين، لاختفاء عنصر الدينامية في الحياة السياسية. وإذا كان هذا خيار النظام السياسي، فإن الطرف الذي يدخل بإرادته هذه «المعركة الصفرية» قد حكم على نفسه بالخسارة مقدمًا لأنه اختار أن يلعب لعبة الصراع على ملعب خصمه وبقوانينه وعلى أرضه. وتجارب التاريخ المعاصر والذي عشنا كثيراً من ملامحه داخل مصر وخارجها، علمتنا أن النظم المستبدة تدفع الناس دفعاً لتبني خيارات سياسية تعتمد العنف سبيلا وحيداً لتغييرها، حتى تجبرها على اللعب على ملعبها أو على أرضها وهو المجال الذي تتميز فيه النظم المستبدة وهو استخدام العنف، وما تجربة سورية بشار الاسد، عنّا ببعيد. فالسلطات الحاكمة أيا كان أساس شرعيتها أو نصيبها من الشرعية: - هي المخولة قانوناً باستخدام وسائل القوة. - وهي من تملك السلاح الرسمي للدولة (القوة الصلبة). - وهي من تجند أجهزة الدولة ومؤسساتها (وحتى بعض القوى السياسية والإعلامية) لخوض غمار معاركها مع خصومها السياسيين. - وهي التي تحدد معايير (الوطنية والخيانة) وتفرضها على أجهزة الإعلام ومؤسساته. وهنا يملك النظام المستبد أداتين للسيطرة: - الأداة الأمنية، ممثلة في مؤسسات القوة الصلبة. - الأداة الإعلامية التي تعمل على تزييف وعي الناس وصرفهم عن مشاكلهم الحقيقية بشتى السبل، بل وإلهائهم بمشاكل مصطنعة ومهلكة يقضون فيها حياتهم، وتشكل هذه الآلة حالة استباحة للمعارضين. وهناك ثلاث قواعد تشكل البنية الأساسية لعقلية النظم المستبدة: - رفض النظر إلى أي فئة أو جماعة أو تيار على أساس كونها نظاماً بديلاً. - إن هيبة الدولة تنحصر في إصدار قرارات لا تعود فيها. - التفاوض بمفهوم النظام المستبد يعني الهزيمة، أو بتعبير أخف يعني التنازل، وهو ما لا يقبله. وإذا كان خيار العنف هو خيار النظم المستبدة فإن على الطرف الآخر أن يحسم خياره السياسي لأن كل خيار سياسي يستدعي منظومة كاملة من: الفلسفة، وآليات العمل، وسبل المواجهة، وطرائق النزال، ووسائل تربية وتثقيف الأفراد داخليا. وأتصور أن العنف ليس خياراً سياسياً متاحاً في الواقع المصري الحالي، لأن كلفته سواء على المستوى النظري الفكري أو المستوى الواقعي على الأرض أعلى مما تتحمله أي حركة سياسية، بل ربما يؤذن بانهيار المشروع الذي يتبنى العنف خياراً واقعياً أو عملياً. كما أن «السلمية» تنزع عن النظم المستبدة شرعية استخدام أدوات البطش في مواجهة حركات سياسية لا تؤمن بالعنف، ولا تستخدمه، ولا تدعمه، ولا تروّج له. وعلى حركة التغيير أن تحسن توظيف العمق الشعبي لها، والعمل على بناء «رؤية واضحة» لكيفية إدارة الصراع ضمن محددين هما: - المراهنة على «معادلة الداخل» ورفض الدعوة للتدخلات الأجنبية. - والمراهنة على «معادلة الحل السياسي السلمي» ورفض العنف والتغيير الفوقي. ذلك أن أي تفكير في إدارة الصراع يغفل هذين الشرطين غير مأمون العواقب. amr_doc_oo@yahoo.com
مشاركة :