تشترك معظم المؤسسات حول العالم بصفات موحدة، أهمها ضرورة قضاء الموظفين ساعات مطوّلة في العمل دون كلل أو ملل، فيعمد المديرون إلى إرهاقهم بالواجبات، ويتصلون بهم باستمرار خارج إطار الدوام الرسمي، ويكلفونهم بأعمال إضافية مع نهاية ساعات العمل. ومن أجل تنفيذ جميع المهام المطلوبة منهم، يحضر الموظفون باكراً إلى المكتب ويبقون حتّى أوقات متأخرة، فيعملون في عطل نهاية الأسبوع، ويبقون محتجزين في منازلهم أمام جهاز الكمبيوتر لإنجاز ما تبقى، في وقت تلجأ هذه المؤسسات إلى معاقبة كل من لم يتجاوب مع روتين العمل هذا. ومن خلال اتباع هذا النموذج تمارس المؤسسات ضغطاً على موظفيها ليتحولوا إلى ما يطلق عليه علماء الاجتماع «الموظف المثالي»، وهو الشخص الذي يكرس حياته بالكامل للعمل، ومتوافر دوماً عند الطلب. تعتبر هذه الظاهرة منتشرة جداً في الإدارات، ولاسيّما في الشركات التكنولوجية الناشئة والمصارف الاستثمارية والمؤسسات الطبية. وفي مثل هذه البيئة يؤشر أي التزام أو اهتمام خارجي إلى أن الشخص غير ملائم للوظيفة. وفي هذا السياق، أشارت الدراسات إلى أن الموظفين غالباً ما يعمدون إلى إخفاء أي ميول لديهم خارج إطار العمل، خوفاً مما يمكن أن يسببه من ضرر لمسيرتهم المهنية. فمن أجل بلوغ المثالية، يتوجب على الموظفين إعطاء الأولوية لوظائفهم على حساب أي جانب آخر من حياتهم، ويرى الكثيرون أنه من أجل تحقيق النجاح لابدّ من أن تتناغم شخصيتهم مع الشخصية المثالية، حتّى أن الكثير منهم يرفضون إجراء أي تغييرات يمكن أن تخفض من الضغوط المفروضة عليهم، وتؤدي بالتالي إلى تخفيض ساعات العمل إيماناً منهم بأن ذلك سيؤثر على شخصية الموظف المثالي. وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة في الشركات حول العالم، إلا أن كيفية تأقلم الناس وعلى حساب ماذا، تبقى أموراً لا يتم التطرق إليها. فهل من الأفضل زرع ثقافة الموظف المثالي في المؤسسة؟ أوضح استطلاع للرأي قامت به مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» على مجموعة من الأشخاص من مختلف القطاعات، من بينها التمويل، والهندسة، والريادة، والصحافة، والتعليم، أن تحول المرء إلى موظف مثالي ليس أمراً ضرورياً أو ذا فائدة. ورأى معظم الذين تمّ استطلاع آرائهم أنه من الصعب قمع الجوانب الأخرى من حياتهم والتركيز على العمل فقط، وأن مثل هذه المحاولات تؤدي أحياناً إلى عواقب سيئة. وذكرت المجلة 3 استراتيجيات يستخدمها الناس للتعامل مع هذا الضغط كي يكونوا متوفرين 100 في المئة وملتزمين 100 في المئة في مكان العمل، وهي قبول الطلبات التي تفرض ضغوطاً كبيرة في مكان العمل، الموافقة على طلب المدير والتصرف كموظف مثالي ومحاولة إيجاد طرق للالتفاف حول طلبه، أو إفصاح الموظف لالتزاماته الشخصية للمدير وإبداء ممانعته التخلي عنها لإتمام العمل خارج ساعات العمل الرسمية. وتابعت المجلة ان الأبحاث توصلت إلى أنه من الضروري أن يرسم الموظف حدوداً بين حياته المهنية والشخصية، ما سينعكس إيجاباً على المؤسسات التي يعمل فيها. وذكرت 3 خطوات يمكن للمديرين اتباعها لتشكيل ما يمكن ان يكون تعريفاً غنياً أكثر لمفهوم «الموظف المثالي» من دون التخلي عن أدائه العالي. وتقوم هذه الخطوات على حرص المدير على توسيع تركيزه واهتماماته لتتضمن إلى جانب مهام عمله نشاطات أخرى على غرار الرياضة والعائلة وغيرها، ما يجعل منه شخصاً أكثر مرونة وتفهماً لاهتمامات موظفيه خارج إطار العمل، وإلغاء الحوافز المقدمة للموظفين والهادفة إلى تشجيعهم على التركيز على عملهم فقط، وإنما محاولة تحفيزهم على تحقيق الأهداف المرجوة من العمل وقياس إنتاجيتهم بالنتيجة وليس بعدد الساعات التي يقضونها في المكتب. وختاماً ضرورة حماية المدير لحياة الموظفين الخاصة، والتأكد من حصولهم على إجازات دورية وعدد ساعات عمل مقبول، الأمر الذي يمكن أن يزيد من قدرتهم على الابتكار ورضاهم في مكان العمل. «هارفرد بيزنس ريفيو»
مشاركة :