يبدو أن المرحلة الأخيرة من الحرب مع «داعش» انجبت جيلاً جديداً من الشباب المتعصبين لطائفتهم ومذهبهم على رغم ادعاءات البعض منهم بالتمدن والابتعاد عن القضية الطائفية. لكن «فايسبوك» ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى كشفت في شكل واضح عن هذا الجيل الذي يخفي وراء تعليقاته الكثير من الطائفية. بعد انتهاء مرحلة الاحتقان الطائفي في بغداد والتي راح ضحيتها الآلاف من الشباب عامي 2006 و2007 وعودة المياه إلى مجاريها مجدداً ظهر جيلان مختلفان. الأول أكثر تعصباً وتخندقاً لدينه وطائفته ومذهبه وانتمائه العشائري، والآخر حاول ان يستفيد من مساوئ التجربة السابقة وبدأ العمل على محاربة جميع أشكال التعصب الطائفي. ونتيجة لذلك انبثقت تجمعات شبابية من المدونين والصحافيين والناشطين المدنيين بل وحتى الفرق الموسيقية التي جمعت بين مختلف الأطياف والانتماءات وبدأت احياء نشاطات جميلة في بغداد قوبلت بترحاب من المثقفين الذين وجدوا فيها تحركاً نشطاً ضد الطائفية. تلك المجموعات عملت على مدى سنوات على ترسيخ مبدأ الوطن الواحد وبدت الأمور تسير في شكل جيد، واقتنع من يراقب الوضع العراقي بدقة أن الجيل الشاب والجديد في العراق سيكون واعداً وبعيداً من الطائفية والتحزبات المذهبية، لكن الأمور عادت الى خانة البداية وبدأت تلك المرحلة تتقوض مع ظهور تنظيم «داعش» واحتلاله مدناً عدة في العراق. هذه الحرب الأمنية والتي ترجمت «فايسبوكياً» كشفت عن جيل ممعن في الطائفية، يتعامل مع كل شيء على أساس الانتماء المذهبي أكثر من أي جيل سابق، لتميل الكفة لمصلحة «الطائفيين» الذين أفرزتهم الحرب الأولى. وبدت الأمور أكثر سوءاً هذه المرة، فالمقاومة التي أبداها بعض الشباب في الحرب السابقة ومحاولاتهم استخلاص العبر منها تكاد تكون معدومة حالياً. فمن خاض مغامرة وأصرَّ في السابق على الزواج من حبيب أو حبيبة من غير طائفته في تلك الظروف أو عزف عن الزواج بانتظار تغيير الظروف وإقناع الأهل، بات اليوم يسأل عن انتماء الفتاة التي تعجبه قبل الإقدام على اي مبادرة، وكذلك تفعل النساء. والبعض يبرر فيقول إنه يحاول الابتعاد عن المشكلات التي قد تقلقه لاحقاً فيما لو اختار فتاة مختلفة مذهبياً، ولأن موافقة العائلة على زوج المستقبل شرط مهم من جزئيات الارتباط في بلداننا. فالرجل والمرأة يبحثان عن شريك يتفقون معه في تفاصيل الحياة اليومية قبل أن يتفقوا معه انسانياً وبعضهم يقدم الحجج بأن المجتمع المحيط قد يرفض الزواج ايضاً ولذلك بات الجميع يقوم بالتدقيق الطائفي المسبق عبر الأصدقاء والدوائر العائلية. وكثيراً ما يتعرض الشباب والشابات لأسئلة الأصدقاء والزملاء عن طائفة او مذهب أحدهم من قبل المعجبين الذين يحرصون على تحديد تلك الخانة قبل التقرب إلى الشخص. واللافت أن بعضهم ممن يدعي المدنية والابتعاد عن تلك الاهتمامات، تفضحه تعليقاته «الفايسبوكية» التي تكشف روحاً طائفية دفينة استيقظت في الأجيال الشابة. «الوضع ليس بخير والحروب متكررة وصدمة اليوم أفضل من مشكلات الغد» هكذا يبرر البعض سلوكه الطائفي. أما الروح الطائفية على «فايسبوك» فهي الأقوى على الإطلاق إذ سقط الكثير من الأقنعة التي وضعها كثيرون سواء في تعليقهم على الأحداث أو على الحرب على «داعش»، ووصل الأمر إلى استخدام كلمات بذيئة في الكثير من التعليقات على الأخبار والبرامج على الفضائيات ووسائل الإعلام التي قادت الشباب إلى مرحلة التعصب الأعمى تلك. ووسط هذه المعمعة فإن بناء السلم الأهلي بين أجيال الشباب مستقبلاً يبدو أكثر تعقيداً من بناء السلم بين الشيوخ. فهؤلاء عاشوا على الأقل مرحلة الاختلاط في عصره الذهبي ومعظمهم لديه أخوال من الشيعة وأعمام من السنة او بالعكس. أما الأجيال الشابة فامتصت كل ذلك الاحتقان والكراهية في وقت مبكر وبات جزءاً من تكوينها وعليه من الصعب معالجة تلك المشاعر الراسخة لديها ضد الآخر في ندوة حوارية او مؤتمر سلام. «داعش انتصرت علينا وفرقتنا مجدداً» قال أحد الشباب الجامعيين الذين رفضت عائلة حبيبته الموافقة على زواجهما لاختلاف المذهب، فابتلع خيبته وراح يبحث عن شابة من ثوبه.
مشاركة :