هذه مجموعة متنوعة من الخواطر الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أُستاذ الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة الكويت وإمـام وخـطـيـب المـســجــد الكــــبــــيــــر بدولــــة الكويت. w-alali@hotmail.com إنَّ مُجاهدة النَّفس على العمل بمُقتضى شهادةِ (لا إله إلا اللهُ): هي التي تحفظ العبد وتعصمه في جميع شُؤون هذه الحياة، وتأمَّلوا في قصةِ هؤلاء النَّفَرِ، الذينَ أحاطَ بهم الخطرُ؛ وظنُّوا أنَّهم قد أدْرَكَهُمْ الموتُ المُنْتَظَرُ، فجاءت شهادةُ (لا إله إلا اللهُ) التي اتَّخذوها منهجَ حياةٍ لتُنَجِّيهِمْ مِنَ الضَّرَرِ، فعَنْ عبدِاللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (بَيْنَمَا ثلاثةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إذْ أخَذَهُمْ المَطَرُ، فَأوَوْا إلى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أفضلَ أعْمَالٍ عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً للهِ فادْعُوا اللهَ تعالى بِهَا لَعَلَّ اللهَ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ. فقالَ أحَدُهُمْ: اللهُمَّ إنَّهُ كَانَ لِي والدانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ؛ وليَ امْرَأتِي وصِبْيَةٌ صِغَارٌ أرْعَى عَلَيْهِمْ، فإذا أرَحْتُ عَلَيْهِمْ: حَلَبْتُ فَبَدَأتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قبلَ بَنِيَّ، وإنَّهُ نَأى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ، فلمْ آتِ حتَّى أمْسَيْتُ فوَجَدتُّهُمَا قَدْ نَامَا، فحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أحْلِبُ فَجِئْتُ بالحِلابِ فَقُمْتُ عند رُؤوسهما أكْرَهُ أنْ أوقِظْهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وأكْرَهُ أنْ أسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا، والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عند قَدَمَيَّ، فلَمْ يَزَلْ ذلكَ دَأبِي ودَأبُهُمْ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّى فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ: فافْرُجْ لنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَّجَ اللهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأوْا مِنْهَا السَّمَاءَ. وقال الآخرُ: اللهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أحْبَبْتُهَا كأشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وطَلَبْتُ إلَيْهَا نَفْسَهَا فأبَتْ، حتَّى ألَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فجَاءَتْنِي فأعْطَيْتُهَا مِائَةَ دينارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، فلمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قالتْ: يَاعَبْدَاللهِ، اتَّقِ اللهَ، ولا تَفْتَحِ الخاتَمَ إلا بِحَقِّهِ، فتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا، وهِيَ أحَبُّ النَّاسِ إليَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الذي أعْطَيْتُهَا، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّى فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكِ: فافْرُجَ لنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفَرَّجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ. وقال الآخرُ: اللهُمَّ إنِّي اسْتَأجَرْتُ أجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ غيرَ رجلٍ واحدٍ تَرَكَ الذي لَهُ وذَهَبَ، فثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأموالُ، فجَاءَنِي بَعْدَ حينٍ فقالَ: يَا عبدَاللهِ، أدِّ إليَّ أجْرِي. فقلتُ لَهُ: كُلْ مَا تَرى مِنْ أجْرِكَ مِنَ الإبلِ والبقرِ والغنمِ والرَّقيقِ. فقال: يَا عبدَاللهِ، لا تَسْتَهْزِئْ بِي. فقلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بِكَ. فأخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شيئاً، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّى فَعَلْتُ ذلِكَ ابتغاءَ وجْهِكِ: فافْرُجَ لنَا مَا بَقِي، فَفَرَّجَ اللهُ مَا بَقِيَ، فخَرَجُوا يَمْشُونَ) رواه البخاريُّ ومُسلمٌ. فالواجبُ على من أراد فِي العاجلةِ والآجلةِ النَّجاةَ: أنْ يَتَّخِذَ شهادةَ (لا إله إلا اللهُ) منهجَ حياةٍ. فهَلْ جَعَلَ (لا إله إلا اللهُ) منهجَ حياةٍ: مَنْ آثرَ الحظَّ الفانِي الخسيسِ؛ على الحظِّ الباقِي النَّفيسِ، ومَنْ باعَ جنَّةً عَرْضُهَا الأرضُ والسَّماواتُ؛ بسجنٍ ضيِّقٍ بينَ أربابِ العاهاتِ والبليَّاتِ، ومَنْ تعوَّضَ بمساكنَ طيبةٍ في جنَّاتِ عدنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهارُ؛ بأعطانٍ ضَيِّقَةً آخِرُهَا الخرابُ والبوارُ. فهَلْ عَلِمَ المُتَخَلِّفُ عَنْ تحقيقِ كلمةِ الشَّهادةِ مَا سَيَلْقَاهُ فِي يومِ القيامةِ؛ مِنْ عظيم الملامةِ وجسيم النَّدَامَةِ، يومَ يُحشرُ المُتَّقونَ إلى الرَّحمنِ وَفْداً؛ ويُساقُ المُجرمونَ إلى جهنَّمَ وِرْداً، يومَ يُنادِي المُنادِي عَلَى رُؤوسِ الأشْهَادِ: لِيَعْلَمَنَّ أهلُ الموقفِ مَنْ أولى بالكرمِ مِنْ بَيْنِ العِبَادِ.
مشاركة :