أصوات من مخيمات الأقليات الدينية في دهوك: هل نعود بعد القضاء على «داعش» ؟

  • 6/22/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كنت في مدينة دهوك في إقليم كردستان شمال العراق، في زيارة لمخيمات اللاجئين التي يسكنها ضحايا عنف «الدولة الإسلامية» (داعش)، عندما قرأت تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أدلى به في ديار بكر، حيث أشار إلى المتمردين الأكراد بأنهم، «ملحدين، وزرادشتيين. ولا شيء يأتي منهم». لم يكن هذا الخطاب معزولاً، إذ إن مهاجمة الزرادشتيين أصبحت عادة في منطقة الشرق الأوسط. على سبيل المثال في مدينة كارس الشرقية في عام 2015، خاطب أردوغان الحشود قائلاً: «لدينا وثائق تثبت أنهم يدرّسون الزرادشتية في الجبال»، في إشارة إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني، «هؤلاء الناس ليس لهم أي صلة على الإطلاق بالإسلام». التهجّم على الزرادشتيين من قبل الزعيم التركي يبدو غريباً حقاً، فعدد معتنقي هذا الدين القديم قليل جداً اليوم في الشرق الأوسط، وهم غير موجودين في تركيا. وبالتالي، فهم ليسوا جزءاً من الحرب الدائرة بين الجيش التركي والمتمردين الأكراد. كما أن الزرادشتيين، ليسوا طرفاً في الحروب الدينية الكارثية الحالية التي تلهب مجموعة من الدول في الشرق الأوسط، في إطار الحرب الطائفية بين السنة والشيعة. هذه الهجمات العنيفة ضد دين ومجتمع، ليست جزءاً من أي صراع عسكري أو سياسي، ويمكن أن تسلط الضوء على بعض آليات الحروب الدينية الجارية، من العراق إلى سورية واليمن وغيرها. لقد كان الشرق الأوسط يوماً ما مهد الحضارة الإنسانية. في العراق وجدت أول قطعة أدب مكتوبة على شكل ملحمة جلجامش. في بلاد ما بين النهرين أيضاً وضعت النصوص القانونية الأولى، وفي العراق حيث وضعت واحدة من أكثر أنظمة الري القديمة والمتشعبة. لقد ولّدت هذه المنطقة أيضاً العديد من الديانات التي تركت أثرها على الفكر المعاصر، والمدهش هو أن بعض هذه الديانات والحضارات القديمة قد نجا حتى العصر الحديث. الزرادشتية هي واحدة منها، وهي عبارة عن دين فصل لأول مرة بين الخير والشر، واحترم إرادة الفرد، وكافأ أولئك الذين يعملون للخير بالجنة. ولذلك ترك الفكر الزرادشتي تأثيره على اليهودية والمسيحية والإسلام، وكذلك على الفلسفة اليونانية والألمانية الأكثر حداثة، وبخاصة على نيتشه. منذ مئة سنة قيل لنا إن النظام الكمالي في تركيا، والأنظمة البعثية في سورية والعراق هي «علمانية» وهو أمر غير صحيح. في هذه البلدان الثلاثة يتم ذكر دين الشخص على بطاقات الهوية، وقد احتفظت الدولة التركية بسجلات حتى أولئك الذين اعتنقوا الإسلام حتى قبل مئة سنة. في سورية، يذكر الدستور بوضوح أن الرئيس يجب أن يكون مسلماً. على مرّ أكثر من قرن من الزمن، فشلت المؤسسات الديموقراطية في الشرق الأوسط، لأنه في كل مرة كان يتم تشكيل حركة سياسية تدعو إلى إجراء إصلاحات، وسيادة القانون، والديموقراطية، تتم مواجهتها بالعنف الطائفي، ما أدى إلى الأنظمة الديكتاتورية التي تبحث عن الشرعية في القومية أو الإسلام. في مخيمات اللاجئين بالقرب من أربيل ودهوك وسنجار، التقيت بعض الكلدان الآشوريين واليزيديين الذين فروا من عنف الإبادة الجماعية التي ارتكبها «داعش». والكلدان الآشوريون ينتمون إلى واحدة من أقدم الحضارات، وهم متفرعون من الحضارات القديمة التي نشأت في بلاد ما بين النهرين، وهم من أول الشعوب التي اعتنقت المسيحية. فهم يتحدثون الآرامية التي كانت اللغة المحكية في زمن المسيح في الشرق الأوسط، والعديد من الكتابات اليونانية القديمة ترجمت في وقت لاحق من الآرامية إلى اللغة العربية في أوج الحضارة الإسلامية. وقد قامت «داعش» بتطهير عرقي للكلدان الآشوريين بسبب دينهم من الموصل، ومن البلدات والقرى التاريخية في وادي نينوى، قبل تحويل كنائسهم وتدمير المواقع الأثرية الشاهدة على التاريخ الآشوري، مثل العاصمة القديمة نمرود، وهي واحدة من الكنوز الحضارية الأكثر قيمة. إلا أن العنف الأفظع طاول الطائفة اليزيدية في سنجار. ففي 3 آب (أغسطس) 2014، هجم «داعش» من دون سبب واضح، وقتل الرجال والنساء والمسنين والصغار، واستخدم الفتيات والشابات لأغراض جنسية. هل يذكرك هذا الوضع بممارسات قديمة؟ يطلق اليزيديون على تلك الأحداث الرهيبة اسم «فرمان» في إشارة إلى عصر حميدان حيث أجبر اليزيديون على اعتناق الإسلام بالقوة، وذلك باستخدام القتل الجماعي عند المقاومة. كما تعرض اليزيديون إلى العنف الذي مارسته تركيا الفتاة أثناء الحرب العالمية الأولى. في تركيا كان ثمة 18000 أيزيدي عندما تأسست الجمهورية، و60000 في العام 1970. بالكاد يعيش مئة منهم هناك اليوم. لا يستهدف عنف «داعش» الآشوريين أو الايزيديين فقط. بل يستهدف أيضاً المسلمين، سواء كانوا من الشيعة أو السنة. وليس العنف الذي تحركه دوافع دينية ضد غير المسلمين هو ممارسة حصرية للمتطرفين السنة. ففي بغداد، كما في جنوب العراق وبخاصة في المسيرات، عانت المسيحية والمندائية العنف المتواصل، الذي قلّص أعدادهما. وتنوع تلك الديانات القديمة هو ذاكرة إنسانية حية، تخطت العصور، ولكن يتم تدميرها في العصر المظلم الذي نعيش فيه: فمن 60 إلى 70 ألف مندائي في العراق قبل الغزو الأميركي بقي بالكاد 10 آلاف يعيشون في العراق اليوم. هذه المجتمعات القديمة، التي تعايشت مع الإسلام على مرّ قرون، يتم اقتلاعها وإرسالها إلى دول مثل كندا أو أستراليا. خلال القرن العشرين، دمر عنف الدولة العديد من المجتمعات المحلية في منطقة الشرق الأوسط. وقد وضعت الإبادة الجماعية عام 1915 حداً جذرياً للطوائف الأرمنية واليونانية في تركيا خارج اسطنبول. العديد من اللاجئين الآشوريين الذين تحدثت إليهم كانوا أحفاد اللاجئين من إقليم هكاري. الحروب الدينية الحالية التي تخاض ليست سوى استمرار مفجع لهذا العنف الأعمى. أكثر ما صدمني بينما كنت أتحدث إلى آشوريين وأيزيديين كان الاستماع إلى قصص عن التمييز المنهجي من قبل الدولة والمجتمع ضدهم كأفراد وكمجتمع لعقود.

مشاركة :