الشيخوخة تحت مجهر العلم

  • 6/23/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أعلنت منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر لها خلال العام الماضي أن سكان العالم يتجهون إلى الشيخوخة بوتيرة سريعة، وهذا الأمر يعكس عدة قضايا في توقيت واحد أولها ارتفاع نسبة الرعاية الصحية وكفاءة خطط العلاج بما يكفل ازدياد المناخ الزمني للأعمار خاصة مع الاكتشافات الطبية الحديثة ومع التسليم بحقيقة مطلقة لا علاقة لها بالتنبؤات العلمية وهي أن الأعمار بيد الله. تبدأ الشيخوخة لدى الثدييات بشكل عام ولدى الإنسان خصوصاً في نهاية حقبة العقد الرابع وتنتج عن بلوغ خلايا الجسم مرحلة معينة تبدأ بعدها في مرحلة جديدة تتسم بالتراجع ولا يمكن تغيير ملامح المرحلة الجديدة حتى مع تناول الأغذية المضادة للأكسدة والأدوية التي يقول عنها مروجوها إنها تقاوم الشيخوخة فمن الناحية العملية لا يمكن تأخير الشيخوخة ولا حتى مع ممارسة الرياضة على الرغم من فوائدها المتعددة. في أواخر الثلاثينات من العمر يبدأ الإنسان مرحلة الشيخوخة حتى وإن لم تظهر أية أعراض تؤكد ذلك إلا أن عملية تجديد الخلايا والتي تتم أثناء النوم تتراجع عند هذه السن وربما يظهر ذلك أكثر علي أنسجة الجلد وتظهر التجاعيد والبقع كما يظهر سلوك مختلفة وربما يتراجع أداء الذاكرة وتبدأ خشونة الركبة والسبب المؤكد وراء هذه الظواهر هو انخفاض هرمون الشباب الذي يسمي المايلين المسؤول عن تنظيم عمل الخلايا وإظهارها بصورة شبابية ومشرقة. حاول العلماء تحديث الجسم على إنتاج هذا النوع من الهرمونات بتأخير أعراض الشيخوخة غير أن العناصر الطبيعية هي الوحيدة القادرة علي إنجاز ذلك مثل الفيتامينات الموجودة في الفاكهة والخضراوات والمعادن والأملاح الموجودة في الماء كذلك حمض الفوليك وغيره من الأحماض الدهنية الأساسية اللازمة في الحفاظ على الشباب. يشير الخبراء إلى اختلاف كبير في البناء الهرموني بين الرجال والنساء ويؤثر هذا البناء في حدوث الشيخوخة بصورة أسرع لدى النساء وعلى الرغم من وضع منظمة الصحة العالمية سناً محددة لشيخوخة الرجال في سن الستين إلا أنه من الناحية العملية تظهر أعراض الشيخوخة على النساء في سن الثلاثين ومن أهم صور الشيخوخة لدى الرجال هي تراجع الرغبة في النوم كذلك تناول كميات أقل من الطعام ويختلف الأمر لدى النساء حيث تتراجع خصوبة المرأة حول سن الأربعين إلا أن ذلك لا يمكن الاعتماد عليه للقول إنها سن الشيخوخة. أعرب العديد من العلماء عن دهشتهم من الطاقة التي تظهر لدى الرجال في سن الأربعين والتي تستمر إلى ما بعد الستين وتظهر هذه الطاقة في أشكال مختلفة منها على سبيل المثال قيام بعض الرجال بالبحث عن عمل بعد التقاعد ومنها أيضاً البحث عن نشاط بدني أو ممارسة الرياضة بعد سن الستين واكتملت الدهشة عندما استطاع بعض الرجال ممن تجاوزا الستين إظهار القدرة علي التحمل وإنجاز بعض المهام التي تحتاج إلى المشقة والصبر والطاقة بصورة أفضل من بعض الشباب. تلجأ بعض الحكومات إلى إسناد مهام وظيفية شاقة إلى بعض المسؤولين ممن تجاوزا سن الستين وفي بريطانيا أظهرت دراسة حديثة أن المتقاعدين يفضلون الأعمال اليدوية ويختارون المهام التي تتطلب النشاط الجسماني وحتى إذا لم يكن المتقاعد من ممارسي الرياضة بشكل عام يومياً إلا أنه يبادر إلى ممارسة الرياضة بعد إحالته للتقاعد مستهدفاً المحافظة علي لياقته البدنية وعلى أسوأ الظروف إذا لم تسنح له فرصة ممارسة الرياضة فإنه يفضل القيام بأنشطة منزلية مثل رعاية الحديقة أو غسل السيارة أو متابعة الأحفاد لدى لعبهم أو ممارستهم الرياضة. لا يمكن وضع مفهوم واحد للشيخوخة ولكن تتعدد المفاهيم التي تشير إلى الشيخوخة فمن الناحية الطبية الشيخوخة ليست مرضاً كما أن اختلاف أداء الجسم من الناحية الفسيولوجية ليس له علاقة بالعمر والدليل على ذلك كما يقول أصحاب هذا الاتجاه أن بعض الشباب تصيبهم أمراض في المعدة والقولون والإثني عشر بينما يمكن أن يصل بعض المسنين إلى سن الـ 80 بلا أية مشكلات صحية. يتعلق الأمر كذلك باللياقة العقلية فالشيخوخة تظهر لدى المسنين من الناحية العقلية في صورة تراجع في طريقة التفكير وفي الربط بين المعلومات والمقارنة بين الأفكار بعضها بعضاً، وعلى سبيل المثال لا يدرك شخص في الـ70 حالياً الفارق ما بين الآيباد والهاتف المتحرك إلا إذا كان عاملاً في هذا المجال، إذاً فالأمر يتعلق بتحليل الفكرة ومقارنتها بغيرها. لا تتعرض المخزونات الفكرية المرتبطة بالمهنة أو التدريبات الراقية لأضرار في سن الشيخوخة فالطبيب يستطيع المحافظة علي لياقته العلمية لتقديم المشورة الكبيرة إلى مرضاه علي الرغم من بلوغ سن الشيخوخة إلا أن إصابة الذاكرة بعطب نتيجة مرض الزهايمر يعني فقدان اللياقة المتعلقة بتخزين واسترجاع المعلومات، وبالتالي يعتبر ذلك من أهم مظاهر الشيخوخة، وحسب التقديرات العالمية فإن 20% ممن تجاوزوا سن الستين مصابون بالزهايمر بينما ترتفع النسبة بين من تجاوزوا سن الثمانين إلى 50%. تعتبر شيخوخة الخلية هي المعيار الصادق الذي يشير إلى تراجع الأجهزة الحيوية في الجسم ومن المعروف علمياً أن الجسم يقوم تلقائياً بتجديد خلاياه خلال النوم ولعل ذلك ما يفسر تراجع عدد ساعات النوم لدى المسنين إلى 4 ساعات يومياً أو أقل والسبب في ذلك أن الجسم لم يعد في حاجة إلى تجديد الخلايا. تشير الشيخوخة إلى عدد من الظواهر المصاحبة لها وأهم هذه الظواهر يمكن ملاحظته على أداء الجهاز الحركي فبعد الوصول إلى سن الـ40 تبدأ الشكوى من وجود خشونة في المفاصل وآلام في العضلات تظهر عند ممارسة نشاط جسماني أو عند التعرض لتيار من الهواء ويفسر العلماء هذه الظاهرة بالتراجع الطبيعي للمادة الزيتية المسؤولة عن تسهيل حركة القطع الداخلية للمفصل ما يؤدي إلى احتكاك أجزاء المفصل ببعضها بعضاً مما يعرف بخشونة المفصل ومن أهم المفاصل التي تصاب بتلك الظاهرة مفصل الركبة وتزداد الشكوى من هذه الظاهرة لدى النساء أكبر من الرجال نتيجة اختلاف البناء العضلي لكل منهما. يتأثر الجهاز العصبي كذلك بدخول مرحلة الشيخوخة إذ إن الناقلات العصبية المسؤولة عن تحسين الاتصال بين مراكز المخ المختلفة تصاب بالتراجع ما يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض المرتبطة بالشيخوخة ومن أهم هذه الأعراض الاكتئاب الناتج عن نقص في مستوي هرمون السيروتونين الذي يعتبر من أهم النواقل العصبية المسؤولة عن الإحساس بالتوازن النفسي وعند الدخول إلى مرحلة الشيخوخة وإحساس الشخص بالعجز عن القيام ببعض المهام اليومية فإن ذلك ينعكس عليه بظهور أعراض مرض الاكتئاب خاصة إذا ترافق هذا العجز بإهمال من جانب الأبناء أو أعضاء أفراد الأسرة. تصاب الأوعية الدموية خلال فترة عملها الطويلة بالتصلب الناتج عن تراكم بعض الدهون والبروتينات الضارة على جدرانها من الداخل ما يؤدي إلى الإصابة بمرض السكتة الدماغية أو بالجلطات القلبية وعلى الرغم من عدم ارتباط هذه الأمراض بالشيخوخة بنسبة كبيرة إلا أن ذلك التراكم يصيب نسبة كبيرة من المسنين لأسباب لا ترتبط بالسن ولكن ترتبط بالممارسات والسلوكيات الغذائية الخاطئة مثل الإسراف في تناول الدهون والمواد السكرية والأملاح خاصة ملح الطعام والمشروبات الغذائية واللحوم المصنعة علاوة على قيام البعض بإهمال قواعد الصحة العامة بالإقبال على التدخين أو بسبب التوتر العصبي أو الإصابة بالسمنة. ترتبط الشيخوخة كذلك بعدد من الظواهر المرتبطة بطبيعة الشخصية وعلى سبيل المثال إذا كان الشخص عصبياً بطبيعته خلال مرحلة ما قبل الشيخوخة فإن ذلك يعني بالضرورة أنه لن يتخلى عن هذا السلوك خلال مرحلة ما بعد الستين بل على العكس سوف تزداد عصبيته والشخص المدخن إن لم يقلع عن هذه العادة في مرحلة الأربعينات من العمر فربما يضطر للإقلاع عنها في مرحلة الستينات وسيكون الأمر أصعب بالنسبة إليه. يحتاج المسن إلى رعاية خاصة من جانب المحيطين به تختلف هذه الرعاية باختلاف الدوافع الثقافية والعلمية والاجتماعية السائدة في المجتمع ففي الأوساط ذات المستوى التعليمي والثقافي المرتفع يفهم المحيطون بالمسن طبيعة احتياجاته ويبادرون إلى تلبية متطلباته النفسية والجسمية ومن أهمها إجراء الفحص الدوري والفحوص الطبية الخاصة كل 6 شهور لتجنب الإصابة بالمشكلات الصحية وعلاوة على ذلك فإن أحداً من أفراد الأسرة يجب أن يهتم بصورة مباشرة باحتياجات المسن فمن المعروف أنه معرض لارتفاع في ضغط الدم إذا تناول نوعاً من الطعام يحتوي على نسبة عالية من ملح الطعام ويفرض ذلك واجباً أسبوعياً ربما يقوم به الحفيد أو الابن أو حتى الخادمة يتمثل في قياس ضغط الدم وتسهيل ذلك في دفتر خاص للاطلاع عليه في حالة ارتفاع ضغط الدم لاحقاً لأي سبب من الأسباب. يتعرض المسنون إلى مشكلات ترتبط بأداء الجهاز الحركي ومن أهم أدوات الجهاز الحركي العظام التي تتعرض عند الشيخوخة للإصابة بالترقق أو الهشاشة نتيجة الاختلالات الهرمونية التي تحدث في الجسم خلال هذه المرحلة غير أنها تتضح بصورة أكبر لدى النساء خاصة عند بلوغ سن اليأس نظراً لتوقف المبيضين عن إفراز هرمون الأستروجين وهو الهرمون الأنثوي الذي يعزز أداء العظام ويحافظ على قوتها ما يستلزم المحافظة على العظام بتناول مادة الكالسيوم التي تدعم قوة العظام ولكن يجب ألا يتجاوز هذا الأمر النسب الدولية المتعارف عليها نظراً لأن ارتفاع معدلات الكالسيوم في الجسم يضر الكليتين ويتطلب الأمر مراجعة الطبيب للحصول على الإرشادات اللازمة لاستخدام العقاقير والمستحضرات التي تحتوي الكالسيوم. يحتاج المسن عند بلوغه الـ 70 إلى معادلة خاصة حيث إنه يعود من الناحية النفسية إلى طفل صغير ما يستوجب إدراج المحيطين لهذا الأمر ومعاملته معاملة تتضمن الحنان والاستماع الجيد إلى آرائه ومقترحاته من دون تأفف أو ضجر مع الوضع في الاعتبار أن أغلبية سلوكيات الشيخوخة يغلب عليها طابع العناد ما يقتضي التعامل بصبر واهتمام إلى ما يريده الشخص المسن. معظم أمراض الشيخوخة تحتاج إلى رعاية خاصة وعلى سبيل المثال فإن ضمور الفص الجبهي للمخ يؤدي إلى التطرف المزاجي الحاد لدى المسنين ويمكن إدراك ذلك عندما يصاب المسن بحزن شديد عند تلقيه لخبر لا يرقى إلى ذلك المستوى من الحزن أو على العكس ربما يبالغ في الضحك على طرفة يراها المحيطون عادية ولا تتطلب الضحك وعلى الرغم من التراجع الواضح في أداء الجهاز العضلي والحركي إلا أن المسن يظل واثقاً من قدرته على التحدي فإذا حاول شخص ما مساعدته على الوقوف ليقينه من عدم استطاعته للوقوف وحيداً فإن المسن يرفض بشدة ويصر على خوض التحدي وإذا تطوع أحد ما لمساعدته على نقل المقعد من مكان لآخر فإنه يرفض بشدة ويصر على حمله بنفسه متحدياً قدرته الضعيفة وعضلاته الواهنة. لا يعترف المسن في الغالب بضعف حواسه مع دخوله إلى مرحلة الشيخوخة فيصر مثلاً على قيادة السيارة علي الرغم من أنه يستطيع بالكاد أن يبصر متراً واحداً إلى الأمام كما يصر على القيام بالأعمال الشاقة في داخل المنزل على الرغم من أنه لا يجيد ذلك ويبادر إلى مساعدة أحد أبنائه على حياكة ثوبه على الرغم من ارتعاشة يديه. استطاع العلم الحديث توفير رعاية طبية خاصة لفئة المسنين تبنى على الفهم الواضح لمسألة شيخوخة الخلايا البشرية وانطلاقاً من هذه النقطة استطاع الطب إيجاد العديد من الحلول للمشكلات المرتبطة بالسن.

مشاركة :