الكل يتحدث عن الشبوك وتشبيك الأراضي، ولكن لم لا نتساءل لم لم يُشبك الفضاء؟!. ففي الفضاء النطاقات والترددات وما يتبعها من محطات أرضية، وفيها ما فيها من الغنائم والثروات العظيمة. طفرة الجوالات والانترنت في العالم أوجدت عشرات المليارديرية من الذين اغتنموا الفرصة بحق أو بباطل. وعندما فُتحت أجواء بلادنا لفضاء ترددات الجوالات والإنترنت ومحطاته الأرضية كانت أشبه ما تكون بقطيع من الحملان شهي الطعم جذاب المنظر. لم يُشبك الفضاء وذلك بمواقف صدق وصبر وقفها رجال أُتي بهم في الوقت المناسب وفي المكان المناسب وقد جمعوا بين الفهم والعلم والأمانة والقدرة على المواجهة ومقاومة الفساد والضغوط الهائلة المصاحبة له. وفي هذا المعنى كتب غازي القصيبي رحمه الله قصيدة له عام 2007 يبين مواقف أحد هؤلاء الرجال، ومنها قوله: «عليُّ... أيها الجُـهَني أحيـىِّ واحـدَ الزَمَنِ، أحيـىِّ العالم النحرير..ذا التـفكير والفطَـنِ، غَـزِيرَ العِلـم أُستـَاذاً وزيـراً قَـطَ لم يَلِـنِ، يُحـارب ألف معـركِةٍ كـعنترَ أو كـذي يَـزَنِ يخصـخص دونما وجـلٍ ولا خوفٍ مـن الفِـتنِ غـدا الجوال مبـذولاً لمِـنْ شَـاءَ بـلا ثمـنِ». استلم الدكتور علي بن طلال الجهني وزارة البرق والبريد والهاتف عام 1995 ، وحظي بالدعم الكامل من الملك الصادق عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله (وكان وليا للعهد مفوضا بإدارة الأمور آنذاك) فقضى على تجارة التلفونات الأرضية وقد كانت منح تُباع وتشترى، وكانت هناك عقود الجوال قد وُقعت مع الناس بعد أن أُخذ منهم عشرة آلاف ريال فأعادها عليهم في شكل خصومات على الفواتير. أنقذ الجهني وجود الجوال فمن لم يدفع قُطع عنه الجوال كائنا من كان بأمر من الملك الصادق. وبدعم من الملك الأمين، دافع الجهني دون حمى الانترنت والجوال من الاستثناءات، فليس هناك أحد استطاع أن يبني محطة أرضية أو ينشأ خطوطا هاتفية مستقلا عن وزارة البرق والبريد والهاتف. وما كان الجهني يرفض طلبات الزيادة لأي مدينة أو جهة حكومية بل يوافق عليها ولكن بشرط أن يكون إنشاؤها بيد الوزارة وملكيتها للوزارة فقطع بذلك -بدعم لا متناهي من الملك رحمه الله- كل مدخل للألاعيب ولولا كل هذي الجهود لما أمكن تخصيص الاتصالات ولكانت اليوم مشكلة عويصة كمشكلة الأراضي. وحتى بعد أن استقال الوزير لم يتركوه، فألحقوه بدعوى كانت قائمة ضد الشركة الأمريكية المنفذة لكن القضاء الأمريكي أنصفه أيما إنصاف فرد الدعوى وأسقطها دون حتى حق الاستئناف من المدعي وهذا يعتبر تبرئة مع وسام الشرف للوزير الجهني. كثرت إنجازات الوزير في أربع سنين فقط، تحالف فيها السرطان مع الساخطين عليه فعظموا أخطاءه فاضطر للاستقالة على أثر استقالة جماعية لأعضاء مجلس الإدارة. وهكذا كان، وهكذا هو ديدن الفرسان، تقصر أعمارها وتكثر أعمالها فتتعاظم أخطاؤها نسبة لشرف انتسابها للفرسان، فينكره قومه فيبسطوا له النطع وينصبوا له المشانق وماتزال دماء الأعداء رطبة قد اختلطت بدماء جراحه في قتاله من أجل الوطن. ليس عيبا ولا خطأ أن يُقال الوزير أو يستقيل إذا أخطأ ولو كثرت إنجازاته، ولكن المسكوت عنه أن العيب هو أن يُعمر الوزير في الوزارة وهو لم يحرك ساكنا ولم ينجز منجزا.
مشاركة :