قد تنجح المؤسساتية في تسيير الأمور بكفاءة منخفضة، لا بكفاءة عالية فالمؤسساتية لوحدها لا تستطيع، أن تطور منظمتها، ولا أن تطور الصناعة، إذا كان شاغلو المناصب الإدارية، لا يحسنون -عجزا أو قصدا أو تنظيميا - تقييم المقدرات العقلية لموظفي المنظمة. والشواهد المُشاهدة والمشهورة كثيرة. فمنها النموذج المؤسساتي في إدارة بريطانيا لمستعمراتها، والذي قصدت إدارته عمدا كبت المواهب القيادية الهندية واقتصرت في المناصب الإدارية على البريطانيين. والذين كانوا مؤهلين لإدراك عباقرة القياديين الهنود، فاستخدم الإداريون البريطانيون قدرتهم على تمييز العقل والإبداع من أجل كشف إبداعية الهنود لإخمادها في مهدها، وقتل همة عباقرتهم. وهناك نموذج أرامكو المؤسساتي الذي استطاع مواكبة تسيير العمل بكفاءة، على حساب تكلفة قد تكون غالية الثمن. ولكن مؤسساتية أرامكو عجزت عن تطوير الصناعة النفطية أو تطوير المُنظم. والتطوير غير مُسايرة الزمن. فالذي نفعله، أن غيرنا يطور ونحن نأخذ منه فنُساير العصر. ودليل نجاح المؤسساتية هو تطورها عاما بعد عام، لأن التطور فيه دليل على أن المنظمة تكتشف عباقرتها ومبدعوها عن طريق المؤسساتية عبر الزمن بطريقة تضاعفية. والتطور غير التوسع فخذ شاهدا مثلا، كتطور شركات البترول العالمية. تبدأ بحفارة وتنتهي بعد عقد أو عقدين وهي في أرجاء الأرض تنقب عن البترول وتحفر الآبار وتبني المحطات وتخترع الوسائل المُبتكرة الجديدة. بينما أرامكو بدأت بحفارة أمريكية وانتهت بآلاف الحفارات الأمريكية والنرويجية وغيرها، ليس بينها حفارة سعودية. فقد نجحت أرامكو في تسيير المهام كونها منظمة مؤسساتية، ولكنها لم تطور الصناعة ولم تستغنِ عن الخبراء والاستشاريين الأمريكان، لأن قادتها لم يحسنوا -عجزا أو قصدا أو تنظيميا- تقييم المقدرات العقلية لموظفيهم. وساعد على ذلك انعدام الحاجة، فقد كفاهم الخبراء الأمريكان. فهم من وضعوا المخطط المؤسساتي بتفصيلاته الدقيقة، تماما كما وضعوا الحفارة. ومازالوا كذلك، هم، من يُغذي التجديد في هذا التنظيم المؤسساتي وتفصيلاته، تماما كما جلبنا نحن الحفارات المتقدمة من الخارج. فنحن نُساير لا نطور، بل ولا حتى نصنع. والسعوديون هم من وضعوا المدراء في هذه المنظمة المؤسساتية. فلوم تطوير أرامكو على المدراء السعوديين لا على الأمريكان، فأرامكو مستقلة لا تتبع لأجنبي إلا بخيار من السعودي نفسه، والأمريكي وحكومته غالبا ما تبذل علومها لمن يريد، وليس كطريقة الاستعمار البريطاني. ولهذا يجد الإداري السعودي الخارج من أرامكو صعوبة في قيادة منشأة أخرى. لأن هذا الإداري لم يُشارك ولم يطور المؤسساتية التي خدمته في أرامكو، ولم يفهمها. مثاله كالضابط العسكري الذي اعتمد في السلم على النظام العسكري في قيادة الجند. تراه يفشل في قيادتهم في الحرب لأنه لم يفهم القيادة، بل استخدمها ولم يفهم التكتيكات العسكرية بل تبع تعليماتها. وهناك نموذج البنوك الشبه مؤسساتي الذي استطاع تسيير العمل بكفاءة منخفضة وبأخطاء كثيرة وكبيرة، وعجز مع ذلك عن اللحاق بالصناعة ومواكبتها فضلا عن عجزه في تطوير الصناعة البنكية. والنفط والزمان قد منحانا الفرصة والحرية في أن نتعلم كيف نفعل، ولكننا بمشيئتنا وببذل أموالنا، اخترنا الاقتصار على تعلم ماذا نفعل. فهل نصحو؟ فما زال في الزمن فرصة ولو ضاقت.
مشاركة :