مراكش: عبد الكبير الميناوي دعا المشاركون في «منتدى مراكش للأمن»، الذي اختتمت أشغاله أمس، إلى ضرورة تدعيم التعاون الإقليمي والدولي، في سبيل ضمان رد مشترك وجماعي وتعاون جدي وفعال لمواجهة أوضاع الفراغ الأمني والهشاشة بشمال أفريقيا والساحل والصحراء. وتوقف المشاركون عند الأوضاع الدقيقة التي يمر بها عدد من مناطق القارة، التي تعرف بعض دولها ضعفا وهشاشة، إلى جانب انعدام قدرتها على مواجهة التحديات، منبهين إلى وجوب أن يكون الرد أمنيا وتنمويا، في نفس الآن. وألح المشاركون على ضرورة الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، محذرين من قيام دول بلعب دور سلبي يؤجج الصراعات الداخلية والنزاعات التي يعرفها عدد من دول القارة، ودعوا في الوقت نفسه إلى تدعيم وتقوية مكانة هذه الدول، حتى تتمكن من بسط نفوذها وسيطرتها على مجموع ترابها، وأن تقوم بمهامها تجاه مواطنيها بشكل يحول دون استثمار الجماعات الراديكالية والإجرامية لتدهور أوضاعها. وشدد محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، في كلمة اختتام المنتدى، على أن «القارة الأفريقية، التي تعاني من أزمات متعددة تتولد عنها مخاطر وتهديدات متعددة، تبقى قارة للمستقبل العالمي»، مشيرا إلى أن ذلك «لن يتحقق إلا إذا كان الأفارقة سادة قرارهم، وإذا لم يجر إدماج آمال الأفارقة، ولم يقع احترام كل ما جرى بناؤه، وما جرى تأديته من تضحيات في سبيل العيش في قلب العالم، وليس على هامشه». وأكد بنحمو على أن إشكالية الأمن بأفريقيا لا يمكن تناولها بمعزل عن التنمية، إذ لا يمكن أن تكون هناك تنمية من دون أمن، مسجلا أن هناك عجزا دوليا يؤثر على الأوضاع في عدد من مناطق النزاع في العالم، مبرزا الحاجة إلى دول أفريقية قوية، على جميع المستويات، منبها إلى أن قوة الدول لا تعني غياب الديمقراطية. ونبه بنحمو، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى المخاطر التي تواجه القارة الأفريقية، وعدها عابرة للحدود والقارات، الشيء الذي يعني أن أوروبا وأميركا وآسيا تبقى معنية بهذه المخاطر وما ينجم عنها من تداعيات. وبخصوص حالة عدد من التجمعات الإقليمية بأفريقيا، ميز بنحمو بين تجمعات تأثرت فعاليتها بحالة عدد من أعضائها، مما جعل دورها ضئيلا أو منعدما، وأخرى ترتبط أو تتأثر بتوجهات دول أعضاء تسعى لفرض الهيمنة على باقي دول المنطقة وفرض اختياراتها، مما عطل عمل هذه التجمعات، ممثلا لذلك بوضعية اتحاد المغرب العربي. وعرف برنامج المنتدى، المنظم من طرف المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، تحت رعاية العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وبشراكة مع الفيدرالية الأفريقية للدراسات الاستراتيجية، تنظيم ورشات شملت «التحولات والاختلالات الأمنية في شمال أفريقيا» و«تعقيدات الأزمات، وتضاعف الفاعلين وتحول التهديدات عبر الوطنية والمتماثلة في الساحل وشرق أفريقيا» و«هشاشة وتعقد السياقات الأمنية الجديدة في غرب أفريقيا» و«ارتفاع مستوى مناطق النزاع في أفريقيا الوسطى وفي خليج غينيا». وبسط المتدخلون، في مختلف الورشات، إحصائيات أظهر بعضها أن 95 في المائة من الجهاديين الذين ينشطون في سوريا، اليوم، سبق لهم أن خضعوا لتدريبات جعلتهم يتمتعون بمهارات قتالية عالية، الشيء الذي يجعلهم يتوجهون إلى مناطق القتال بغرض أداء مهام قتالية، وليس للموت. وحذر بعض المتدخلين من «المستوى القتالي للجهاديين ودرجة النضج التي يتمتعون بها على مستوى رسم الاستراتيجيات، الشيء الذي يطرح إشكالا خطيرا، ليس فقط في مناطق القتال التي يقصدونها وينشطون فيها، بل عند عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، حيث ينخرطون في استراتيجيات جهادية»، مما يعني أن «تاريخ وتجربة أفغانستان ستتكرر وستتناسل بشكل أكثر خطورة، خاصة أن عودة هؤلاء الجهاديين إلى بلدانهم تتزامن مع تداعيات (الربيع العربي) فيها، لا سيما على مستوى ضعف المؤسسات ودرجة الهشاشة التي تعيشها هذه البلدان في الوقت الراهن، لتبقى عودة الجهاديين إلى بلدانهم الأصلية إشكالية كبرى، مستقبلا». واستأثر الوضع في سوريا بنصيب وافر من مداخلات المشاركين، حيث ذهبت بعض وجهات النظر إلى التأكيد على أن «سوريا في طريقها إلى التحول إلى (أفغانستان أخرى)، في ظل وضع جعل البلد يعيش حرب إبادة وبلقنة تؤشر إلى أن خريطة سوريا لن تبقى على حالها». وبخصوص جنسيات وأعداد الجهاديين الذين يقصدون سوريا، طرح سؤال بخصوص «من سمح ويسمح لجهاديين، يأتي أغلبهم من شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بالوصول إلى سوريا من دون مراقبة أو ضبط مخابراتي؟». وبالنسبة لمنطقة الساحل والصحراء، ربطت المداخلات بين المخاطر الملموسة ومستوى الهشاشة التي تعاني منها كثير من دول المنطقة، حيث جرى التركيز، بالنسبة للمخاطر، على «تهريب المخدرات الذي يشكل 13 في المائة من نسبة التهريب العالمي، يسخر لتمويل الجماعات الإرهابية»، فضلا عن «الوضع المقلق في ليبيا»، و«آلاف قطع السلاح التي يجري ترويجها بأفريقيا الغربية، الشيء الذي يؤدي إلى مزيد من هشاشة بلدان المنطقة المعنية»، فضلا عن «قضية الهجرة والاتجار في البشر التي ينتظر أن تتضاعف بنسبة 300 في المائة نحو شمال القارة وأوروبا». على صعيد الهشاشة، شددت المداخلات على أن «التكنولوجيات الحديثة حولت المنطقة إلى طريق سيار لتهريب المخدرات، فضلا عن الخصائص القبلية بالمنطقة وضعف المؤسسات الذي أفرز بدوره ضعفا في أسس الدول المعنية، مما خلق مناخا تسود فيه الرشوة، وتغيب فيه الشفافية، وهو ما زاد من الهشاشة وساعد على تنامي أسباب الفراغ الأمني». ولم يفت عدد من المتدخلين توجيه النقد إلى التدخل الدولي في عدد من مناطق النزاع في العالم، باعتباره أنه لم يكن ناجعا دائما، إذ إنه «عوض أن يساهم في حل المشكلات فاقمها».
مشاركة :