رقص حسن رابح رقصته الأخيرة وغادر الحياة عن سابق إصرار وتصميم. هو الشاب الفلسطيني - السوري الذي ضاقت به ظروف اللجوء وما يحيط بها من معاناة اجتماعية واقتصادية في لبنان فقرّر وضع حد لمعاناته المستمرة منذ ثلاث سنوات، وانتحر راميا بنفسه من نافذة منزله بمنطقة الحمرا في بيروت. خبر انتحار حسن (25 عاما) الذي تحوّل إلى حديث اللبنانيين والسوريين منذ الإعلان عنه أول من أمس، كان مفاجئا بالنسبة إلى من يعرفون هذا الشاب الموهوب والمحب للفن ولكل من هو صديق له على موقع «فيسبوك». لكن من يعود إلى «رسائله» الأخيرة التي نشرها على حسابه يدرك أن قرار حسن الذي يشبه بوضعه معظم اللاجئين في لبنان، لم يكن وليد اللحظة، إنما كان نتيجة تراكمات عاشها بعيدا عن وطنه وعائلته التي هربت بدورها من مخيم اليرموك في سوريا إلى السويد ولم يتمكّن من اللحاق بها. وفيما يشبه الوداع الأخير كان حسن قد كتب على حسابه قبل نحو أسبوع قائلا: «لست سوى عبد الربي اسمي حسن والسلام عليكم سامحوني يا أصدقائي يا أهلي يا أحبائي ولتسقط كل الأنظمة.. أموت إلى أن أحيا.. وإلى فلسطين الرجوع..». «لم يحصل حسن على إقامة في لبنان منذ نحو سنة ونصف السنة، وتحوّل هذا الأمر عائقا دائما أمامه للعمل إضافة إلى رفض منحه تأشيرة دخول لعدد من الدول لتقديم أعمال إلى جانب بعض فرق الرقص التي عمل معها، كانت السبب الأساسي في قراره بالانتحار»، بحسب ما يقول صديق مقرب منه. ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» «المشكلة بدأت بشكل أساسي بعد فوزه مع (فرقة سيما) السورية بالجائزة الأولى في برنامج المسابقات الفني (أرابز غوت تايلنت) عام 2013 ومن ثم مغادرة جميع أعضاء الفرقة إلى الإمارات العربية المتحدة باستثنائه هو، بسبب عدم حصوله على تأشيرة دخول كما قيل له حينها، وبعدها بفترة أيضا لم يستطع الانتساب إلى (فرقة كارافان) للرقص للسبب نفسه، لا سيما أن العمل يتطلب التنقل بين الدول». مضيفا: «هذا الواقع جعل حسن الذي كان يقيم في منطقة عاليه في جبل لبنان قبل أن ينتقل إلى الحمرا في بيروت قبل أربعة أشهر، أن يعمل في مطعم في المنطقة، وهو الأمر الذي كان يشكّل له إحراجا أمام أصدقائه وكل من يعرفه». وحسن هو واحد من آلاف اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان في ظروف اجتماعية صعبة أدّت خلال السنوات الأخيرة إلى إقدام عدد منهم على الانتحار للأسباب نفسها بطرق متعددة منها شنقا أو القفز من طوابق مرتفعة أو عن صخرة الروشة أو حتى حرق أنفسهم، كما حصل مع النازحة السورية مريم خولة (43 عاما) عندما أقدمت على إحراق نفسها بمادة البنزين أمام مقر مفوضية شؤون اللاجئين للأمم المتحدة في طرابلس شمال لبنان عام 2014. أمام هذا الواقع الذي يعشيه النازحون، يؤكد محمد حسن الصحافي والناشط السوري في «تنسيقية اللاجئين السوريين في لبنان»: «إن دائرة الانتحار بدأت تتوسّع أكثر وأكثر في الفترة الأخيرة في صفوفهم، كان آخرها، إضافة إلى حسن، قبل نحو عشرة أيام في منطقة الدوره ببيروت، علما بأن بعضها يتم الإعلان عنها وتوثيقها فيما تبقى حالات أخرى طي الكتمان أو لا يعلن عنها، وبالتالي ليس هناك عدد نهائي عن عدد المنتحرين». ويشير حسن إلى أن التضييق الذي تمارسه السلطات اللبنانية على اللاجئين يؤدي في أحيان كثيرة إلى عدم الحصول على إقامة وبالتالي على عمل، وهي الأسباب الأساسية التي تؤدي بهؤلاء إلى اتخاذ قرار الانتحار، لافتا إلى أن هناك تشديدا يمارس بشكل خاص أيضا على الناشطين والصحافيين السوريين، وبات في الفترة الأخيرة يسجّل على جواز سفر بعض من يريد منهم تجديد الإقامة أو الخروج من لبنان إشارة «منع الدخول» مجددا، وهو الأمر الذي يجعلهم يمتنعون عن تجديد الإقامة خوفا من هذا الأمر. من جهتها، تقول ليزا بو خالد، المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، لـ«الشرق الأوسط»: «لا ننكر أن الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان تؤثر على وضعهم النفسي، علما بأن بعضهم كانوا قد جاءوا إلى لبنان حاملين معهم المعاناة بسبب الحرب في بلدهم، لتتفاقم بذلك ظروفهم السيئة وقد تؤدي ببعض منهم إلى الانتحار». وتضيف «خلال تواصلنا الدائم مع اللاجئين نلاحظ معاناة عدد كبير منهم من القلق والضغوط النفسية ونعمل على إحالتهم إلى متخصصين نفسيين للمعالجة، لكن المشكلة الأساسية تكمن في الوصول إلى هذه الحالات». وفي هذا الإطار، كانت دراسة لجامعة القديس يوسف، نشرت العام الماضي تحت عنوان «انعدام الشعور بالأمان»، أظهرت أن حصول اللاجئين على الأوراق القانونية يؤثّر كثيرًا على مدى شعورهم بالأمان، مشيرة إلى أن 91 في المائة من السوريين يعتقدون أن الإقامة تؤثر بمدى شعورهم بالأمان. وحسب الدراسة، اعترف 293 لاجئًا من أصل 1200 لاجئ مستطلع، بتعرّضهم أو عائلاتهم لحالة اعتداء، أي نسبة 25 في المائة من اللاجئين تعرضت للاعتداء، لافتة إلى أن معظم هؤلاء لا يبلغون عن هذه الاعتداءات بسبب عدم امتلاكهم إقامة، وهو الأمر الذي يعرّضهم لخطر التوقيف من قبل الأجهزة الأمنية، فتتحوّل القضية من اعتداء إلى عدم امتلاك أوراق قانونية. ويشكو اللاجئون، بحسب الدراسة، أن السبب الرئيسي لعدم امتلاكهم أوراقًا قانونية هو ضرورة وجود كفيل لبناني وارتفاع تكلفة الرسوم. كما أن عدم امتلاك اللاجئين الأوراق القانونية يؤثر على عدم قدرة اللاجئين على التنقل وقد صرّح 48 في المائة من الذين لا يملكون إقامات بأنهم واجهوا مشاكل على الحواجز.
مشاركة :