«على إيقاع الأنتونوف» ... أسئلة الذات والآخر

  • 6/24/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اختارت سينما «زاوية» الواقعة في وسط القاهرة، أن تعرض فيلمين من برنامج «السينما العربية تدخل الحرب الأهلية»، الذي كان المعهد الفرنسي في القاهرة احتضن عروض أفلامه المُنتمية إلى الوثائقي قبل فترة. وكانت الفعالية برنامجاً ضمن مشروع موقع «ترسو» الذي سيتم إطلاقه قريباً، وسيكون متخصصاً لنشر دراسات عن الأفلام، ومواد بحثية عن السينما، ومدوّنة عن صناعة الفن السابع، البرنامج قدمه محمد فتحي كلفت. الفيلمان الذي وقع الاختيار على عرضهما جماهيرياً من الفعالية، هُما «الوطن: العراق سنة صفر»، من إخراج عباس فاضل، ويستغرق زمن عرضه ما يقارب الست ساعات، و «على إيقاع الأنتونوف»، للمخرج السوداني حجوج كوكا، وهو فيلم قصير نسبياً يستغرق زمن عرضه ساعة وخمس دقائق تقريباً. حين عُرض «على إيقاع الأنتونوف» أولاً في المعهد الفرنسي، كانت الصالة مُمتلئة، وقد مكث المتفرجون حتى بعد نهاية العرض في انتظار المناقشة مع المخرج الذي كان حاضراً يراقب ردود الأفعال ويردّ على الأسئلة. من النظرة الأولى، قد يبدو أن الفيلم يتناول حالة خاصّة عن حرب أهليّة تجري وقائعها في ولاية بعيدة ومجهولة من السودان اسمها «النيل الأزرق»، وهي التي تُسجِّل فيها الكاميرا مشاهدها، لكن الفيلم منذ الدقائق المبكرة جداً فيه يُفجِّر أسئلة أخرى، تتجاوز المسألة السودانية كي تخرج إلى آفاق أرحب إنسانياً. أهل النيل الأزرق يتعرضون يومياً لضربات الأنتونوف وهو نوع من القذائف تُسقطه الطائرات بشكل عشوائي على أي شيء أو شخص يجعله حظه تعيس ضحية. ما يحكيه لنا كوكا بصورة صافية تماماً وحركة هادئة للكاميرا رغم كل هرولة للهرب، هو كيف أن أهل هذه المدينة يجدون مساحة في الوسط للبحث عن هويتهم، إنهم يُغنون ويرقصون أثناء القصف، وبعده وقبله، وينطلقون في البحث عن أغنيات تُعبِّر عن حالاتهم الخاصّة جداً، الذي ربما لا يستطيع الغناء العربي أن يُعبِّر عنها. تقول الباحثة الموسيقية في الفيلم أن غناء مُطربة مثل وردة مُعترَف به أكثر هنا، على الصعيد الرسمي، لمجرد أنها عربية، في الوقت الذي يتم تجاهل حفظ الأغنيات البسيطة والمُختلفة التي تُرسلها الفتيات المحليات إلى الهواء كي يُسلين أنفسهن، أثناء القصف وخارجه. يفتح الفيلم قوساً للبحث عن هذه الأغنيات، يجعل المُتلقي يستمع لها، مثلاً أغنية تطلب فيها البنت من الأم أن ترش البيت، لأن البعوض في كل مكان آذاها في المرة الأخيرة، وهي لا تُريد لهذا أن يتكرر. أغنيات خارجة من قلب البيئة مُباشرة، من الأسئلة الموغلة في عُمق هذا النوع من الحياة القريب من البدائية، أكثر رفاهية مُمكنة فيه تتحقق عبر طائرات إغاثة الأمم المتحدة التي ترمي على السكان، أكلاً وملابس وربما أشياء أخرى. وسط هذه الأجواء كانت رحلة البحث عن هوية لشعب النيل الأزرق عبر الأغنيات، صاحبة الإيقاع الخاصّ جداً، تفتح الباب على سؤال آخر أكثر صعوبة؛ سؤال عن علاقة السودان بالمنطقة العربية. الإشكالية كما يقول أحد الباحثين في الفيلم، أن هناك داخل كل شخص سوداني شخص عربي يوجهه، هذه القطيعة بين سكان النيل الأزرق وبين الهوية العربية على تعدد تعريفاتها، هي أيضاً إجابة مريرة، ألقاها الفيلم بين صفوف مُشاهديه في القاهرة. الثقافة العربية كما يقول المثقف السوداني في الفيلم زرعت آلهة الاضطهاد في عقول الأشخاص سُمر البشرة، «كانوا يقدموننا كعبيد»، يقول الرجل، كان من الطبيعي وفقاً لهذا الاستعلاء، أن يرغب أهل النيل الأزرق في الاستقلال النفسي عن العالم العربي.

مشاركة :