توظيف الشباب السعودي في المطاعم يتطلب خطة وطنية، تشمل التوعية إلى أهمية تلك الوظائف وقيمتها، وافتتاح المعاهد المختصة بتدريب الكوادر الوطنية على العمل في تجارة الغذاء التقيتُ في هذا الشهر المبارك، من خلال حلقتين شاركت فيهما في برنامج سهرات رمضانية على الثقافية السعودية بكوادر وطنية تعمل بجد وإخلاص لنهضة هذا الوطن. شباب خلف الكواليس يتفننون في جعلنا نستمتع بالحياة. وأنا لا أقصد هنا فقط طاقم عمل لبرنامج من الإعلاميين والإعلاميات الشباب الذين يستحقون الدعم والتشجيع، إنما أيضا العاملين في فندق إنتركونتيننتال من الشباب السعودي الطموح. التجربة التي لفتت انتباهي فعلا كانت تجربة (الشيف) سويلم الشهراني، كبير الطهاة في مطعم الفندق، ذاك الرجل المكافح المثابر الذي بلغ من تفوقه في صنعته أنه جاوز حدود إتقان المأكولات المحلية إلى إتقان مأكولات المطبخ العالمي، فعلى مدى ليلتين أكلنا من يده البرياني الهندي والطاجن المغربي، مما يعني أننا أمام مواهب شابة تستحق الرعاية والاهتمام. هنا لابد من التأكيد على دور المؤسسة الوطنية في رعاية هؤلاء الشباب ودعمهم، فلولا إدارة الفندق التي تتحلى بالوطنية ما وجد الشيف سويلم طريقه لتنمية مهاراته، ولما وجدت القناة الثقافية بإعلامييها الشباب من يستضيف البرنامج 30 يوما متصلة. وفي حكاية الشيف سويلم ما ينهض بأن يكون موضوعا لقصة كفاح يتنافس الشباب على مثلها؛ فقد بدأ الشاب عمله في مطعم الفندق منذ سنوات، لكنه لم يبدأ برتبة (شيف أول)، ولم يحمل وقتها لقب (كبير الطهاة)، إنما بدأ عمله في غسل الصحون في الفندق، ثم تمكن، بفضل إصراره وطموحه وسعيه الدؤوب إلى تنمية مهاراته، من الوصول إلى لقب الشيف الأول الذي يختص بتقديم الطعام لكبار الضيوف. وعندما نتأمل المطاعم حولنا، نجد أن نسبة السعودة فيها ضعيفة جدا، لا تتجاوز موظف الاستقبال أحيانا وليس كثيرا. يحصل ذلك مع أن مهارة قلي الطعام الجاهز الذي تقدمه معظم مطاعم الوجبات السريعة مثلا، ليست من المهارات التي تحتاج إلى استقدام عمالة أجنبية، بتأشيرات وإقامات، وأموال طائلة، قبل الاستقدام وبعده. إذ قد يغني توظيف الشباب السعودي فيها عن كل ذلك، مثلما أنه يغني البلد اقتصاديا بالحدّ من ترحيل النقد (المال) إلى الخارج. لكن الحديث عن توظيف الشباب السعودي في المطاعم يتطلب خطة وطنية لسعودة تلك الوظائف أولا. والخطة تشمل التوعية بأهمية تلك الوظائف وقيمتها، واحتياج سوق العمل إليها. ثم تأتي الرعاية الحكومية باستحداث المسميات الوظيفية، والدعم المالي من قبل صندوق الموارد ومعاشات التقاعد، وقبل ذلك كله افتتاح المعاهد المختصة بتدريب الكوادر الوطنية على العمل في تجارة الغذاء. أقول ذلك ليس من أجل تجربة الشيف سويلم الفردية، ولكن من أجل التجارة في الطعام التي أصبح لها اليوم سوقها الرائج في السعودية، من خلال مطابخ داخلية غير مصرّحة، تعلن عن منتجاتها وتسوقها عبر وسائل التواصل المختلفة، دون رقابة صحية ودون إشراف من البلديات، مما يعني ضرورة الالتفات إلى هذه التجارة وتقنينها ورعايتها، وقبل ذلك الاعتراف الرسمي بها، ومنح الشهادات المعتمدة مثلما هو متبع عالميا.
مشاركة :