راشفورد.. نجم ساطع يحمل سمات اللاعب الدولي الحقيقي

  • 6/25/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يوجد بالحياة تجربة أفضل من معاينة شباب صغير يزدهر ويتألق، ما يبث في النفس مزيجًا من الشعور بالأمل والحنين للماضي، ويثير في الذهن أفكارًا مختلطة حول الفناء والخلود. ومع هذا فإن هذه التجربة بوجه عام عادة ما ترافقها جوانب سلبية تتمثل في عدم الطاعة وغياب احترام الكبير. أما كرة القدم فتمنحك فرصة معايشة هذه التجربة من دون سلبياتها، حيث تمثل المباراة حق الميلاد الذي يجعل منك والدًا للاعبين وتخلق داخل ذهنك على الأقل شعورًا بأن نجوم المباراة هم أبناءك وأن نجاحهم هو نجاح لك أيضًا. في تلك الأثناء، على أرض الواقع يعايش هؤلاء النجوم شؤونهم الحياتية غير مدركين لوجودنا، من دون أن يقدموا إلينا في المقابل حب أو وقت أو مال. أما بالنسبة لنا، فإن مجرد وجودهم يبث في حياتنا شعور بالسعادة. حتى في هذا الإطار، يعد صعود نجم ماركوس راشفورد تجربة مؤثرة عاطفيًا، بعد أن نجح في تحقيق المستحيل من دون أي شعور بصعوبة أو خيلاء - لقد تمكن من تسجيل هدف عبر أول كرة له في بطولتي أوروبا والدوري الإنجليزي الممتاز، فيالها من مصادفة! وفي العالم الواقعي الذي يسكنه راشفورد الآن، فإن تجربته تثير فيضًا من المشاعر المتنوعة، ولا تحمل قصة حياته متعة بقدر ما تحمل عبرة ودرسًا، ففي زمن ساد فيه الزيف والتصنع، يبقى راشفورد نموذجًا حقيقيًا وصادقًا تمامًا تحول اسمه بمرور الوقت إلى شعار عالمي مرادف للبهجة والفرحة. ويعد هذا الأمر استثنائيا من نوعه، بالنظر إلى أن كرة القدم تهيمن عليها في العادة مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام والثأر. إلا أنه بالنظر إلى الكراهية التي أصبحت تتسيد كوكبنا، فإن تجربة راشفورد تحمل معها فرصة الاستمتاع بجمال حقيقي صادق، ما يشكل ليس فقط تغييرًا وإنما تطورًا إيجابيًا كذلك. ويكمن جزء من متعة التجربة في أن أحدًا لم يتوقع لحدوثها، ذلك أن غالبية اللاعبين الذين ينجحون في بناء شهرة واسعة منذ وقت مبكر - مثل ريان غيغز وواين روني - عادة ما يلفتون الأنظار إلى موهبتهم منذ سن مبكرة. في المقابل، نجد أن راشفورد تعرض للتجاهل على مدار الشتاء في وقت بحث مانشستر يونايتد بدأب عن مهاجمين. وحتى وقت قريب - فبراير (شباط) - لم يكن من بين الاختيارات الأولى في فريق النادي لما دون 21 عامًا. وحتى عندما بدأت موهبته تنكشف وتجذب الأنظار إليها، كان ما يزال من اليسير طرح مبررات، حيث قال البعض إن أول هدفين له كانا سهلين وجاءا في شباك ناد متواضع - متييلاند. إلا أن هدفيه التاليين، اللذين كانا أفضل قليلاً، جاءا في شباك آرسنال في وقت كان النادي يقف على أهبة الاستعداد لخوض منافسات الموسم الجديد. وقد ادعى البعض أن راشفورد لن يعدو كونه فقاعة نجاح سرعان ما تتلاشى مثلما حدث مع فيديركو ماكيدا. وأعقب ذلك فترة أكثر هدوءًا قبل أن تنطلق المباريات الأخيرة أمام مانشستر سيتي ووستهام التي كشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا اللاعب يحمل سمات خاصة تميزه عن باقي أقرانه. ومضى راشفورد بطريقه حتى أنجز الموسم على نحو رائع، وربما كان الأمر الوحيد المثير للدهشة في أولى مشاركاته مع الفريق الوطني الإنجليزي أن الأمر تطلب منه ثلاث دقائق كاملة قبل أن يسجل أول هدف له. ولا يسعني سوى التساؤل، في أي شيء أهدر هذا اللاعب المهمل الدقيقتين الأوليين؟! بطبيعة الحال، لن يكون هذا الوضع دومًا، لكن مهاراته ومواهبه المتعددة ستبقى مصدر دعم له عندما تتباطأ دفقة النشاط والحماس الأولى التي يتمتع بها الآن. لقد كانت سرعته الهائلة ولياقته البدنية المرتفعة واضحة منذ البداية. ومنذ ذلك الحين، كشف عن تمتعه ليس فقط بعقل يفكر على نحو ممتاز في كرة القدم، وإنما كذلك روحًا تشعر بكرة القدم وعشق غريزي لكرة القدم، حيث يعمل الثلاثة بتناغم كبير. ونظرًا لصغر سنه، فإنه أيضًا قادر على تنفيذ الحيل الصغيرة التي تثير جنون جمهور الإنترنت. أما داخل الملعب، فإننا ما نزال بانتظار التعرف على مدى قدرته على تسجيل أهداف من خارج منطقة الجزاء، وقدرته على تطوير أدائه. وعليه، لم يكن من المثير للدهشة أن يفسح له روي هودجسون مكانًا داخل الفريق الوطني الإنجليزي، خاصة في ظل افتقار المدرب للاعب نجم متألق ولعناصر متمكنة في خط الدفاع وعلى الأطراف، الأمر الذي جعل من المنطقي أن يسعى لإضافة زخم للفريق وتعزيز الخيارات الهجومية. جدير بالذكر أن إيطاليا سبق وأن فعلت أمرًا مماثلاً في كأس العالم لعام 2006 عندما خاض مارسيلو ليبي مباراته أمام ألمانيا بالاعتماد على ستة مهاجمين، سجلوا جميعًا ستة أهداف. وكان فريقه بطل العالم الأكثر إثارة للدهشة على امتداد جيل كامل. إلا أن العبقرية الحقيقية تركزت في الاختيار، حيث نجح ليبي في اختيار المهاجمين المناسبين للخصوم المناسبين، الأمر الذي يتعين على هودجسون القيام به الآن. خلال مباراة إنجلترا الأولى، كانوا بحاجة لكرة حرة لتسجيل هدف. وفي خضم محاولاتهم تحقيق ذلك، استعانوا بجيمس ميلنر بدلاً من رحيم سترلينغ، اللاعب الوحيد في صفوف إنجلترا القادر على الجري السريع. وقد مكن ذلك روسيا على الفور من الدفع بأحد لاعبيها قدمًا. أمام ويلز، واجهت إنجلترا دفاعًا شديد التمترس، وعجزت عن إمداد هاري كين المنهك بفرصة حقيقية. وخلال المباراة، أجرى هودجسون تغييرين لافتين، دانييل ستريدج وجيمي فاردي اللذان ساعدا في تسجيل هدف التعادل. وجاء الدفع براشفورد ليساعد الفريق على المضي نحو الفوز. ومع صعود إنجلترا لأدوار التصفيات، فإنها ستواجه فرقًا أفضل، ما يعني التعرض لضغوط أكبر. وهنا، ستزداد أهمية قدرة كين على الاحتفاظ بالكرة والجري بها. كما أن الفرق الأفضل تعني خطوط دفاعات أقوى، وهنا ستزداد أهمية فاردي وستريدج بالتأكيد.

مشاركة :