قال برتراند بيزانسينو، سفير فرنسا لدى السعودية، إن بين السعودية وفرنسا «أهدافًا مشتركة، ومصالح مشتركة، ورغبة في التعاون والدفع نحو كل ما من شأنه توفير الاستقرار في منطقة تضربها الحروب والأزمات، وتحتاج لتوفير الأمن والسير نحو السلام»، مشيرًا إلى الدور الذي تلعبه السعودية في محاربة الإرهاب، ووجودها كقطب رئيسي جاذب، له دوره وتأثيره في شؤون المنطقة بكاملها. ويعد بيزانسينو من السفراء الأجانب الأكثر إطلاعًا على الشؤون السعودية والخليجية. يعود ذلك، إلى خبرته الواسعة، والمدة الزمنية الاستثنائية التي أمضاها في المنطقة، ومنها تسع سنوات سفيرًا لبلاده في الرياض. وفي العرف الدبلوماسي، فإن فرصة كهذه لا تتاح لكثيرين. والسفير بيزانسينو الذي يحب العالم العربي ويتقن لغته، مولع بالخليج وأهله، لا بل إنه منح ابنته اسم إحدى عواصمه، ومن المفترض أن تنتهي مهمة السفير بيزانسينو في الرياض في الخريف المقبل. وفي حوار مع «الشرق الأوسط» بمناسبة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي إلى باريس، تناول السفير الفرنسي بالتفصيل، العلاقات الفرنسية السعودية وأهداف الزيارة، منوهًا بالدور الذي يلعبه ولي ولي العهد في تنمية بلاده، وأشار إلى التحديات التي تواجهها الرياض، وإلى رغبة فرنسا والسعودية في تعميق شراكتهما الاستراتيجية متعددة الجوانب، والحاجة بينهما للتشاور وتنسيق المواقف وإطلاق المبادرات المشتركة. وفي ما يلي نص الحوار: * هل يمكن أن ترسم لنا الإطار الذي تتم فيه زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى باريس والأهداف المتوخاة منها فرنسيًا وسعوديًا؟ - الزيارة التي يقوم بها ولي ولي العهد إلى باريس يمكن التطرق إليها من ثلاث زوايا: الأولى، أنها بداية تأتي في إطار الاجتماع الثالث للجنة المشتركة الفرنسية السعودية، أي الهيئة التي تم إيجادها من أجل تنفيذ خطة العمل التي اتفق عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس فرنسوا هولاند في شهر مايو (أيار) من العام الماضي. في تلك المناسبة اتفق الطرفان على تنفيذ عشرين عملية اقتصادية رئيسية مشتركة، وهي تتناول الكثير من الميادين المدنية والدفاعية والاجتماعية... وعقدت الهيئة اجتماعين: الأول في باريس في شهر يونيو (حزيران) من عام 2015، والثاني في الرياض في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه. ولذا، فإن هذا الاجتماع هو الثالث من نوعه، وغرضه الاستمرار في وضع الخطط التطبيقية، وبالتالي سيتم الإعلان عن مجموعة من الاتفاقيات والعقود التي ستوقع. * هل هي عقود مدنية أم دفاعية؟ - الاثنان معا. اجتماع باريس ستتبعه بطبيعة الحال اجتماعات أخرى لاحقة سنوية وسنرى ما إذا كانت ستحصل مرة في العام أم مرتين. لكن المهم هو وجود هذه الهيئة للمتابعة ولتقييم ما سيصل إليه التعاون بين بلدينا. وأعتقد أن الاجتماعات التي ستحصل بين الطرفين هذا الأسبوع ستتيح لنا التعرف عن قرب وبشكل ملموس على مضامين العلاقات المتميزة التي يرمي إليها البلدان مع اتفاقيات ومشاريع في القطاعات المدنية والاجتماعية والتربوية وكذلك أيضا في القطاع الدفاعي. وكما ذكرت لك، هناك مجموعة من الاتفاقيات والعقود التي ستوقع. * هل تندرج هذه الاتفاقيات والعقود في إطار خطة الإصلاح السعودية المسماة «الرؤية 2030» و«برنامج التحول الوطني» اللذين أقرتهما القيادة السعودية مؤخرًا؟ - بالضبط. وهذا يشكل الإطار الثاني للزيارة. وأود أن أقول هنا إن الخطة المشار إليها بالغة الأهمية وواسعة الطموح، لأنها تعكس حرص الرياض على الأخذ بعين الاعتبار الحقائق الجديدة «انخفاض أسعار النفط، الرغبة في خفض الاعتماد على عائداته، تنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل جديدة في قطاع الخدمات للشباب السعودي». إنه برنامج مثير للاهتمام ومن جملة ما ينص عليه تخصيص عدد من القطاعات في الصحة والتعليم، وتخصيص نسب معينة من الشركات الحكومية مثل «أرامكو، معادن، سابك،، المطارات». ستكون هناك مجموعة واسعة من فرص الاستثمار في السعودية. ونحن نعلم أن ما يهم الجانب السعودي الذي يريد تنويع الاقتصاد والاستفادة من نقل التكنولوجيا وإيجاد فرص عمل جديدة هو التوصل إلى مجموعة من الشراكات الاقتصادية والمالية المفيدة والمثمرة للجانبين، والتي من شأنها تعميق وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وبما أنني لا أريد أن أستبق ما ستعلنه اللجنة المشتركة بمناسبة اجتماعها، فإنني أكتفي بالقول إنها تتضمن مجموعة من المشاريع التي سترى النور في السعودية، واستثمارات سعودية في شركات فرنسية. وكل ذلك يعطي مضمونًا ملموسًا لتعميق الشراكة الاستراتيجية بيننا، وحيث يوجد شركاء جديون من الجانبين للسير بهذه المشاريع إلى نهاياتها. * لكن أين موقع الجوانب السياسية؟ أكان ذلك العلاقات الثنائية أو التعاون بشأن البؤر الساخنة إقليميا أعني الشرق الأوسط؟ وكيف يمكن، من الزاوية الفرنسية، توصيف هذا التعاون القائم وآفاقه؟ - في الجانب السياسي، أريد أن أقول إن للأمير محمد بن سلمان وزنه، ونحن في مرحلة يمكن أن نصفها بأنها تشهد إعادة النظر بالشراكات التقليدية. فالسعودية ترى أن إدارة الرئيس أوباما لم تتمسك الالتزامات التي تعهدت بها، وأنه يتعين عليها أن تتحمل بنفسها مسؤوليات أكبر فيما دور مصر تراجع، والعراق وسوريا في الوضع الذي نعرفه. من هذا المنطلق، فإن السعودية مدعوة لأن تلعب مباشرة دورًا رئيسيًا بشأن كل مسائل الشرق الأوسط. ولذا قامت المملكة بمجموعة من المبادرات، منها إقامة التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي غرضه إظهار أن العالم الإسلامي يحارب «داعش» كذلك، قامت السعودية بخطوات للتقارب مع تركيا وإقامة شراكة قوية مع مصر. ونحن نعي أن العلاقات بين هذين البلدين صعبة ومعقدة، وأن السعودية هي وحدها، حقيقة، الطرف القادر على محاولة التقريب بينهما. وبشكل عام، فإن للسعودية كما يبدو لنا، دورا سياسيا مهما في المنطقة، وأن الكثير مما يمكن أن يحصل بشأن أزماتها ومشكلاتها من اتصالات وحلول يجب أن يمر بالرياض. من الناحية الفرنسية، ليس سرًا أن بيننا وبين السعودية نقاط تلاق سياسي كثيرة أكان ذلك في موضوع منع انتشار السلاح النووي في المنطقة، أو دعم المعارضة السورية المعتدلة، وحول استقرار العراق ومسار السلام في اليمن، ودعم استقرار مصر، وأمن واستقرار وسيادة لبنان... لذا يبدو لنا أن التشاور والحوار بشكل دوري بين شركاء استراتيجيين كفرنسا والسعودية أمر طبيعي ومطلوب، في وقت نرى فيه أن التوازنات الكبرى في المنطقة آخذة في التداعي، وأن هناك مخاطر جدية لقلب صورتها وتغيير خارطتها، إضافة إلى التهديد الذي يمثله «داعش». وأود أن أضيف أن هناك عوامل أخرى تهدد الاستقرار مثل انخراط «حزب الله» في سوريا أو وجود ميليشيات شيعية مختلفة... كل ذلك يعزز الحاجة إلى الحوار والتشاور بيننا وبين الرياض، حتى نتأكد أن لدينا الفهم نفسه لهذه المشكلات، وأننا نعمل بالتنسيق من أجل استقرار المنطقة، وأن نقوم بمبادرات مشتركة. * الشراكة الاستراتيجية ليست شيئًا جديدًا في العلاقات بين الرياض وباريس. لكن ما الجديد فيها اليوم؟ - صحيح، هذه الشراكة الاستراتيجية موجودة منذ زيارة قديمة للرئيس شيراك. لكن الجديد فيها تقوية هذه الشراكة عبر إعطائها مضامين جديدة. وعلى سبيل المثال، فإن المبادلات بين باريس والرياض تضاعفت، وفي العام الماضي حيث وقعنا عقودًا بقيمة 15 مليار يورو وتصل هذه القيمة إلى 25 مليار يورو في السنوات الثلاث الأخيرة. كذلك، لدينا مجموعة من المشاريع التي سيتم الكشف عنها بالتدريج وابتداء من اجتماع اللجنة المشتركة... إذا ما أود أن أقوله إن تعزيز الشراكة الاستراتيجية أمر واقع وقائم في كل الميادين: الاقتصادية والثقافية والصحية. وهناك العشرات من الأمثلة التي تبين ذلك، مثل إقامة شراكات بين المؤسسات ورجال الأعمال من الجانبين، وعرض مقترحات بخصوص التعاون في ميدان الطاقة النووية والشمسية والنقل «السكك الحديدية، والنقل الجوي مع طائرات إيرباص» والمياه وتتمة المشاريع الكهربائية.. ثم علينا أن نشير إلى المشاريع الكبرى في الحقل الزراعي والصحة والسياحة من غير أن أنسى الثقافة والتعليم. وبخصوص النقطة الأخيرة، فإن لدينا مجموعة من المشاريع التي ستدرس مع الجانب السعودي مثل إقامة متاحف أو مراكز ثقافية. وفرنسا أول جهة خارجية فاعلة في الميدان الثقافي في السعودية. * لو عدنا إلى الملفات السياسية، كيف يظهر التنسيق الفرنسي السعودي بخصوص الحرب في سوريا مثلاً؟ - أود أن أضرب مثلا محسوسا وهو يتناول قيام الهيئة العليا للمفاوضات التي رأت النور في مؤتمر استضافته الرياض في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. بالطبع الجانب السعودي لعب دورًا مهمًا للغاية، ولكن كان لفرنسا دورها أيضا. وعلى هامش جولات المحادثات الثلاث التي جرت في جنيف برعاية الأمم المتحدة، كان هناك تنسيق كبير بين الدبلوماسيين الفرنسيين والسعوديين، وبالتالي أستطيع القول إن التعاون والتنسيق بيننا قائمان وفاعلان. كذلك أشير إلى أن سفيرنا المكلف بالملف السوري فرانك جوليه ناشط جدا في هذا الملف، وهو دائم التشاور مع المعارضة السورية بالطبع وأيضا مع الجانب السعودي. وفي ما يخص اليمن، فإننا نقدم المساعدة عبر قنوات ووسائل كثيرة ومتنوعة. وكل ما جئت على ذكره يعطي مضمونا للشراكة التي نتحدث عنها. نحن والسعودية لنا أهداف مشتركة ومصالح مشتركة ورغبة للتعاون والدعم باتجاه كل ما من شأنه الدفع نحو الاستقرار. * أشرت إلى دور الأمير محمد بن سلمان الذي هو في الوقت عينه ولي ولي العهد وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وكان له الدور الأول في إطلاق «رؤية 2030».. كيف تنظر إلى هذه الخطة ودور الأمير محمد بن سلمان فيها؟ - غرض الخطة أولا إيصال رسالة قوية إلى الشعب السعودي ووظيفتها نفسية وتربوية في الوقت عينه. فمسؤولية الحكومة أن تشرح لمواطنيها أنه لا يتعين انتظار ارتفاع أسعار النفط بل يتعين التحرك.. الأمر الثاني، أن السعوديين اعتادوا على أن تكون المصاريف الحكومية هي المحرك الاقتصادي. اليوم، الأمور تغيرت والقطاع الخاص مدعو لأن يكون هو المحرك الاقتصادي، سواء عبر العمل في الداخل، أو عبر إبرام شراكات مع مؤسسات وشركات خارجية، من أجل تنويع الاقتصاد، وزيادة الدخل غير المعتمد على قطاع النفط وعائداته. والهدف «تطبيع» الاقتصاد السعودي، وأعني بذلك الوصول إلى اقتصاد متنوع من جهة، وإلى تصرف مسؤول من جانب المواطن السعودي، الذي يفترض به أن يأخذ بعين الاعتبار وضع الدولة. وأود أن أشير إلى أن تقبل خطة الإصلاح كان إيجابيًا، لأن المواطنين يشعرون بأن الدولة تقدم لهم فرصًا حقيقية، وترسم لهم الطريق والوسائل لتحقيق أهداف الخطة الإصلاحية، بما في ذلك شريحة الشباب التي يتعين أن تشعر بأن الخطة تعنيها بالدرجة الأولى وأن تتوافر لها الفرصة للمشاركة في تحقيقها. ودور الحكومة أن تبين أن هناك إرادة سياسية قوية للسير بخططها وإظهار الطريق لذلك.
مشاركة :