انسحاب بريطانيا يهدد تعافي الاقتصاد الواهن في القارة العجوز

  • 6/27/2016
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

فقد الاتحاد الأوروبي أحد أعضائه الفاعلين للمرة الأولى في تاريخه، إذ إن تداعيات طلاق بريطانيا من التكتل الأوروبي ستكون له بالفعل تأثيرات سياسية واقتصادية ومالية، حيث إن هذا النبأ هزّ أوروبا في صميمها. وعقب استفتاء الخروج، سيسعى كبار الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي في بريطانيا، الذين سيكونون الأكثر تضرراً بسبب صعوبة الوصول إلى البضائع وإبرام الصفقات التجارية مع بقية أوروبا، جاهدين إلى تسريع إبرام اتفاقيات التجارة الحرة بين بروكسل ولندن. وفي الوقت ذاته، فإن البلدان المحيطة في منطقة اليورو يجب أن تتأهب لفترة من عدم الاستقرار السياسي والمالي، والتي يمكن أن تهدد التعافي الاقتصادي الواهن أصلاً، في حين أن نظرائها خارج الاتحاد الأوروبي في شمال وشرق أوروبا، قد تنأى بنفسها عن التكتل بعد خسارته لحليف مهم خارج منطقة العملة الموحدة، الأمر الذي سيضعف التحالف الفرنسي-الألماني، العمود الرئيسي في تأسيس اتحاد اليورو. يبدو أن قرار بريطانيا لترك الاتحاد الأوروبي سيؤثر في كل عضو في التكتل بشكل مختلف، حيث سنسرد في المساحة التالية الدول الأكثر تضرراً من هذا القرار الذي فاجأ العالم بأسره. إيرلندا تعد إيرلندا من أكثر الدول المعنية بخروج بريطانيا، ذلك كونها أكبر شريك تجاري لها، حيث تشكل السوق البريطانية نحو 14% من الصادرات الإيرلندية. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن التجارة بين البلدين لن تتوقف فوراً، لأن بريطانيا ستبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي لمدة عامين على الأقل، لكن تراجع قيمة الجنيه الاسترليني ستجعل من عملية بيع المصدرين الإيرلنديين لبضائعهم في بريطانيا أكثر صعوبة. وعلاوة على ذلك، فإن مئات الآلاف من العمالة الإيرلندية تقيم في بريطانيا، ما يستدعي تقييم حالتهم، سواء بالبقاء في بريطانيا أو إعادة نقلهم إلى مكان آخر، حسب تعليمات وسياسات الشركات التي يعملون بها. كما أن الاستفتاء أعاد فتح التساؤلات حول ملف إيرلندا الشمالية، إذ إن معظم سكانها صوتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. فرنسا وألمانيا على الرغم من أن فرنسا وألمانيا لديها علاقات تجارية ومالية مع بريطانيا، إلا أن اقتصاداتها متنوعة بما فيه الكفاية للتخفيف من تأثيرات خروج بريطانيا من منطقة اليورو. وبعد أن ينقشع الضباب، قد تستفيد ألمانيا وفرنسا من نقل بعض الشركات مقارها الإقليمية من بريطانيا إلى مناطق أخرى في أوروبا. إذ إن باريس وفرانكفورت، على وجه الخصوص، ستتنافس فيما بينهما لجذب هذه الشركات. ونتيجة لذلك، فإن اهتمام فرنسا وألمانيا في أعقاب تصويت بريطانيا سيكون سياسياً، حيث إن فوز معسكر الانفصال سيعزز المشاعر لدى المشككين بفعالية الاتحاد الأوروبي. ففي فرنسا طالبت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان باستفتاء حول خروج فرنسا من الاتحاد. بولندا يثير موضوع الBrexit أمرين رئيسيين في بولندا، الأول هو أن هناك العديد من المواطنين البولنديين يعيشون في بريطانيا، فمنذ انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2004، هاجر نحو مليون بولندي إلى بريطانيا. وموضوع إقامتهم في بريطانيا سيتحدد بموجب اتفاق يعقد بين لندن وبروكسل. ومن غير المرجح أن تبدأ لندن بترحيل مواطني اتحاد اليورو بشكل جماعي، لكن يمكن أن تضع بريطانيا شروطاً صارمة على تصاريح العمل داخل أراضيها. وحتى لو وافقت بريطانيا في السماح للمواطنين الأوروبيين في البقاء ضمن حدودها، إلا أن ألانكماش الاقتصادي وشطب الوظائف، يمكن أن يجبر المهاجرين على العودة إلى ديارهم. الأمر الثاني يتعلق بوجهة نظر سياسية، وهو أن وارسو ستفقد حليفاً مهماً في التكتل، حيث كانت الحكومة البولندية من أكبر المؤيدين لدعوة رئيس الوزراء البريطاني المستقيل ديفيد كاميرون لإعادة إصلاح الاتحاد الأوروبي ومنح البرلمانات الوطنية مساحة أكبر للتعبير عن آرائها ومنحها حق نقض لوائح الاتحاد الأوروبي. السويد والدنمارك هناك العديد من الأحزاب السياسية في السويد والدنمارك التي تشكك بفعالية الاتحاد الأوروبي، وسيكون خروج بريطانيا من تكتل اليورو محفزاً لها لدعوة بلادها لإجراء استفتاء مماثل قريباً. إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان إن عدم حالة اليقين في الأسواق المالية والناجمة عن تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي Brexit سيلحق أضراراً في اقتصاد بلاد جنوب منطقة العملة الموحدة، حيث من المتوقع أن ترتفع عوائد سندات إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان، حتى لو بقيت في مستويات أقل من تلك المستويات التي شهدناها خلال أزمة العام 2012. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يؤدي تراجع قيمة الجنيه الاسترليني إلى تراجع عدد السياح البريطانيين الذين يقضون عطلاتهم في الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط، حيث سترتفع تكاليف عطلاتهم في منطقة اليورو. وفي ذات الوقت، يبدو أن الانتخابات العامة في إسبانيا والاستفتاء المتعلق في الإصلاحات الدستورية في إيطاليا ستثيران شبح عدم الاستقرار السياسي في البلدين، ما سيشعل مخاوف بشأن المستقبل الاقتصادي. وستضيف هذه التقلبات إلى مخاوف من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ربما يعقبه خروج اليونان من منطقة اليورو. والاقتصاد اليوناني هش جداً، وكان الخبراء حذروا قبل الاستفتاء من أن تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون له تأثير الضربة القاضية على الاقتصاد اليوناني. ويستند هذا جزئياً إلى ما يحدث للجنيه الاسترليني، الذي انخفض بشكل حاد مقابل اليورو والدولار. وإذا تبين أن هذه ستصبح ظاهرة على المدى الطويل (تراجع قيمة الاسترليني)، فإن قطاع السياحة الحيوي في اليونان يمكن أن يضرر. حيث يمثل السياح البريطانيون أكبر عدد من الزوار الأجانب إلى هذا البلد ويمكن أن يمتنعوا الآن عن القدوم، لأنه سيكون أكثر تكلفة. وهناك أيضا مخاوف من أن الصادرات اليونانية إلى بريطانيا ستتضرر. ويعتقد الخبراء أن مثل هذه العوامل والاضطراب المتوقع في الأسواق الأوروبية يمكن أن تفاقم من وضع الاقتصاد اليوناني الضعيف بالفعل. هولندا وبلجيكا ولوكسمبورج مثل إيرلندا، يتعين على هولندا التعامل مع حقيقة أن واحدة من أكبر شركائها التجاريين (حيث تمثل الصادرات الهولندية إلى بريطانيا نحو 9%) لن تكون عضواً في تكتل اليورو. وفي أعقاب تصويت البريطانيين لخروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، دعا حزب الحرية الهولندي، أحد أكبر المشككين باتحاد اليورو، إلى استفتاء حول عضوية بلاده في التكتل. وبلجيكا هي الأخرى تشاطر أمستردام بمخاوفها الاقتصادية، حيث ترسل نحو 9% من صادراتها إلى بريطانيا. في سياق متصل، قد تواجه لوكسمبورغ صعوبات اقتصادية حيث تشتري بريطانيا 9% من صادراتها أيضاً. المجر والتشيك ستفقد المجر والتشيك حليفاً رئيسياً أيضاً، إذ يُنظر إلى بريطانيا على نطاق واسع في أوروبا الوسطى والشرقية كمدافع عن مصالح الدول التي لا تدخل في منطقة اليورو. وتخطط المجر لإجراء استفتاء يمكن أن يضر بتماسك الاتحاد الأوروبي. حيث سيُسأل المجريون ما إذا كان ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يأوي اللاجئين. وفي المجر لن يكون الاستفتاء على البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي هو الذي سيسبب المشكلات، ولكن الاستفتاء الذي يتساءل بشكل مباشر حول سلطة بروكسل. قبرص ومالطا لدى قبرص علاقات قوية مع بريطانيا، وهي ثاني أكبر شريك تجاري لها. وفي المقابل، تعد قبرص مقصداً للسياح البريطانيين. كما تفتخر مالطا بعلاقات تاريخية عميقة مع لندن، وهي موطن للعديد من الشركات البريطانية، أكثرها يعمل في القطاع المالي. وسيكون لخروج بريطانيا من التكتل الأوروبي صدمة قوية للجزيرتين.

مشاركة :