لم يكن فجرُ الجمعة الحزين بسبب الخبر الفاجعة الذي اهتزّ لبشاعة الجرم الإرهابي فيه وطن بأكمله وأظن لم ينم تويتر السعودي صبيحتها ليستيقظ متسائلاً من هول الصدمة ومتسائلاً كيف استطاع هذا الفكر إقناع شابين باستهداف وقتل وطعن والديهما وأخيهما وبدلاً من الامتثال لـ ففيهما فجاهد بأرواحهم جاهد واطلب الجنة بسفك دمائهما بدلاً من طلبها من تحت أقدام من حملتهما وهناً على وهن ومنحتهما الحياة فيقابلونها بالعكس! كرّرت وذكرت مراراً في هذا الزاوية أنّه ليس هناك أمر أصعب على الباحث المتخصص في قضايا الإرهاب والأمن الفكري من أن يعود إلى تناول حدثٍ إرهابي، لأنه حينها سيقع بما يمكن تسميته بـفخ التدوير، وأعني به تكرار ما قيل عن الإرهاب، ولكن مع حادثة فجر الجمعة الأمر يختلف، أن يستطيع الفكر الإرهابي من الاستمرار أكثر من عقد من الزمان من زمن القاعدة والتحوّل من اقتلوا واخرجوا المشركين من جزيرة العرب إلى أن بلغ اقتلوا والديكم وانفوهم من الحياة هذا وإن دلّ فإنما يثبت أن الانتصار الفكري على الإرهاب لا يزال متخلفاً عن الانتصار الأمني ودون مواكبة كل الإنجازات الأمنية التي منحت المملكة ومؤسساتها الأمنية الريادة العالمية في مكافحة الإرهاب ومحاربته والقضاء عليه وتجفيف مصادر تمويله وإحباط كم من العمليات وتفكيك كم من الخلايا والقضاء على تنظيمات ولكن تطوّر الأحداث والعملية الإرهابية كالأخيرة يثبت أنه يُقتل الإرهاب ويبقى فكره طالما لا يزال من وجود ما يغذّيه. استحضر اليوم تساؤلي قبل بضع سنوات: لو كانت المعالجة الفكرية على نفس مستوى المكافحة الأمنية التي حقّقت للمملكة ريادتها الأمنية عالمياً على مدى أكثر من عقد من الزمان في مكافحة الإرهاب من بعد أحداث ١١ سبتمبر واستهداف الإرهاب للمملكة هل كُنّا سنواجه تلك الإحصائيات التي تداولتها بعض وكالات الأنباء حول نسبة السعوديين من فئة الشباب ممن تمكّنَت داعش أو عداها من جماعات إرهابية ظهرت خلفاً لتنظيم القاعدة ممن نفذوا عمليات انتحارية والتحقوا بها تحت رايات الجهاد المزعومة! وبصرف النظر عن صحة أو دقة تلك المعلومات من عدمها فإن مجرد ثبوت انتساب عضو أو مواطن سعودي لهذا التنظيم أو تلك الجماعة وتنفيذه لتعليماتها وأوامرها يُفترض أن يفتح ذلك باب البحث وإجراء دراسة الحالة للتعرّف على الظروف والعوامل الحقيقية وراء قدرة هذه الجماعات الإرهابية لضم ذلك الفرد أو المجموعة لها دون البقية من أفراد فئته أو المجتمع! وأذكر في أحد اللقاءات التي وجّهتُ استفهاماً واقتراحاً لسمو الأمير الراحل سعود الفيصل -رحمه الله تعالى- وزير الخارجية أنّه بلا شك أنّ المكافحة الفكرية للإرهاب أصعب بكثير من المكافحة الأمنية وإلا بماذا يُفسّر قدرة تنظيم كداعش ليس له رؤوس في وضح النهار على استدراج شباباً صغاراً في سن مقاعد الدراسة أو قدرته على خطفهم من مدرجات الجامعة أو الابتعاث رغم كل النجاحات الأمنية في القضاء على تنظيم القاعدة خلال أكثر من عقد من الزمان! وألا يجدر بنا الالتفات وفتح باب البحث وإجراء دراسة الحالات حتى نتمكن بناءً على نتائجها من رسم استراتيجيات صحيحة وواقعية للمعالجة الفكرية؟! اليوم وقد طالعتني تجدّد ذلك المقترح من عدد من أبناء هذا الوطن المخلصين؛ وتطلعهم لإنشاء مركز بحثي مستقل تحت إشراف وزارة الداخلية معني ومتخصص في البحث عن أسباب تورط أولئك الشباب أو الإرهابيين وإجراء دراسات الحالة كلٌّ على حدة وعدم تجنيب أي حالة لواقعة أو حادثة إرهابية من قبل فريق علمي أكاديمي متخصص أمنياً وفكرياً وتربوياً واجتماعياً وتقنياً ومنحه كل سبل الدعم والبحث الممكنة والأرقام والإحصائيات الرسمية والمعلومات البحثية المطلوبة وإجراء المقابلات والزيارات وارتباطه بصانع القرار وبناء على نتائج تلك الدراسات تبنى الاستراتيجيات الفكرية اللازمة والفعالة لمكافحة الإرهاب عملياً وحتى لا تبقى جامعة ولا مدرسة ولا وسيلة إعلامية ومنبر أو مؤسسة إلا وقد تطهّرت من كل تطرف أو تحريض. نحن نعلم أن الإرهاب حينما عجز عن ضرب علاقة المواطن بقيادته ووطنه وهزّ ثقته فيها تحوّل واتجه لاستهداف وضرب علاقة الابن بأسرته؛ ولكن هذا الأمر هو في حقيقته تحوّل خطير ومؤشر أخطر كون الأسرة هي نواة المجتمع وقلب الوطن ولا نريد أزمتنا مع الإرهاب ومكافحته على مدى قرابة العقدين من الزمان أن تستمر أو تتكرر بشكل أفظع ولن تستمر بحول الله وقوته وسنقطع دابر الإرهاب فكرياً كما تم أمنياً.
مشاركة :