سورة القيامة عنيت بإثبات الأصول الدينية كالتعبد والخلق

  • 6/28/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حرصاً من جريدة العرب على استكمال الفائدة ومواصلة ما بدأته العام الماضي مع تفسير جزء تبارك للشيخ يوسف القرضاوي فإنها تواصل في أيام رمضان هذا العام نشر ما تبقى من تفسير الشيخ لجزء تبارك، علماَ أن الشيخ قال: صاحبت القرآن أكثر من سبعين عاماً، وكان محور دروسي ومحاضراتي وكتبي وخطبي وفتاواي التي نشرتُ بعضاً منها في أربعة مجلدات كبيرة، ولقد ألَّفْت في مختلف فنون الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي، في العقيدة والتفسير والحديث والتصوف والتاريخ والدراسات الإسلامية المعاصرة، وهي كثيرة.. بعد أن أنهى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي تفسير سورة المدثر، يبدأ تفسيره لسورة القيامة، بطرح ملامح حول السورة: فالسورة مكية بإجماع أهل التأويل وعلماء القرآن، وموضوعها يدل عليها، وآياتها في المصحف على قراءة حفص عن عاصم أربعون آية، وأغراضها أغراض السور المكية التي تعنى بإثبات الأصول الدينية -ومنها التعبد والخلق- والعقائد الإسلامية، خصوصا ما يتعلق بالمبدأ والمعاد، خصوصا يوم القيامة، وما جاء من الإقسام به، وبالنفس اللوامة، وإن كان في صورة النفي، وإثبات الجزاء على ما عمله الإنسان في الدنيا، فهو سيجازى به ثواباً - وأعظمه رؤية الله في الآخرة- أو عقاباً، خصوصا لتلك الوجوه الباسرة التي تظن أن يفعل بها فاقرة، وسيختلف الناس باختلاف أعمالهم وأحوالهم. كما ذكرت السورة ما للآخرة من مقدمات، هي: الموت، ومراتب الناس واختلاف الناس في لقائه، «كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ*وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ*وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ*وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» ورؤية الله في الآخرة، وتغير الوجوه بعد ذلك إلى وجوه ناضرة ووجوه باسرة. والتذكير بالآخرة لمن عاش الدنيا وأنكر آخرته، «فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى*وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى». والتأكيد بأن الإنسان لن يترك سدًى، لا يؤمر ولا ينهى، فليس ذلك بلائق بحياة الإنسان المكرم، الذي خلقه الله للخلود. القسم المنفي في القرآن «لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ*أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ*بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ». بدأ الله تبارك وتعالى هذه السورة بالقسم في صورة النفي، بالنسبة للأمرين الذين ذكرهما، وبدأ بهما السورة، وهما: يوم القيامة، والنفس اللوامة. فهو يبدأ كل جملة منهما بحرف (لا) النافية: «لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» وهذا التركيب في العربية لا شك أنه للنفي، لا للإثبات، ولكن هذا في الظاهر، أما في الحقيقة، فهو يدل على أن هذا النفي الظاهر إنما هو في النهاية للإثبات، كأنه يقول لنا -أي: للناس المخاطبين-: لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة؛ لأن القضية التي أقسم على إثباتها وتحقيقها أصرح وأوضح وأثبت من أن تحتاج إلى قسم. وهذا ينطبق على كل ما جاء في القرآن العظيم بالقسم المنفي، كما في قوله تعالى في الجزء السابع والعشرين: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ*إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ». وهو ما جاء في هذا الجزء نفسه (التاسع والعشرين) في سورة الحاقة: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ*وَمَا لَا تُبْصِرُونَ*إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ*وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ*وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ*تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ». وهو كذلك في سورة البلد من جزء (عم) في قوله تعالى: «لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ*وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ*وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ». وقال العلامة ابن كثير في تفسير أوائل السورة: قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه إذا كان منتفياً؛ جاز الإتيان بـ (لا) قبل القسم لتأكيد النفي. والمقسم عليه هاهنا هو إثبات الميعاد، والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد من عدم بعث الأجساد؛ ولهذا قال تعالى: « لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ». قال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة. وقال قتادة: بل أقسم بهما جميعا. ثم قال رحمه الله: والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً، كما قاله قتادة رحمه الله، وهو المروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، واختاره ابن جرير. النفس اللوامة فأما يوم القيامة فمعروف، وأما النفس اللوامة؛ فقال قرة بن خالد، عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن -والله- ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قدماً ما يعاتب نفسه. وقال جويبر: بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله: «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» قال: ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدالله بن صالح بن مسلم، عن إسرائيل، عن سماك: أنه سأل عكرمة عن قوله: «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» قال: يلوم على الخير والشر؛ لو فعلت كذا وكذا. ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن وكيع عن إسرائيل به. وذكر ابن جرير الطبري عدة أقوال ثم قال: والأشبه بظاهر التنزيل: أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات. قال الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى: (ونحن نختار في معنى «بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» قول الحسن البصري: «إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه». فهذه النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها هي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع القيامة. ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة. نفس الإنسان الذي يريد أن يفجر ويمضي قدما في الفجور، والذي يكذب ويتولى ويذهب إلى أهله يتمطى دون حساب لنفسه ودون تلوم ولا تحرج ولا مبالاة!). أسماء يوم القيامة في القرآن اسم (يوم القيامة) هو أشهر أسماء هذا اليوم، الذي يقوم الناس فيه لنداء رب العالمين، للحساب والميزان ولقاء الأهوال، كما قال تعالى: «وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»، «خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ*مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ». «أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ». وهو يوم البعث حيث يبعث الله الناس فيه بعد موتهم كما يحيي الأرض بعد موتها، كما قال تعالى: «وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ». وقال: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». وهو يوم تقوم الساعة، وهو اليوم الموعود، وهو يوم الفتح، وهو يوم الخلود، وهو يوم الوعيد، وهو يوم التلاقي، وهو يوم الآزفة، وهو يوم التغابن ويوم الجمع، وهو يوم يقوم الأشهاد، وهو يوم الوقت المعلوم، وهو يوم الدين، وهو يوم الحساب، وهو يوم الخروج؛ وهو يوم التنادي، وهو يوم الفصل، وهو الطامة الكبرى، وهو الصاخة، وهو الحاقة. ويؤيد ما اخترناه في معنى (لا) في قوله: «لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره احتمالاً ثانياً، ووكده، وانتصر له، حيث يقول: (الاحتمال الثاني: أن (لا) هاهنا لنفي القسم، كأنه قال: لا أقسم عليكم بذلك اليوم، وتلك النفس، ولكني أسألك غير مقسم: أتحسب أنا لا نجمع عظامك إذا تفرقت بالموت؟ فإن كنت تحسب ذلك، فاعلم أنا قادرون على أن نفعل ذلك. وهذا القول اختيار أبي مسلم، وهو الأصح. ويمكن تقدير هذا القول على وجوه أخر: أحدها: كأنه تعالى يقول: لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب؛ فإن هذا المطلوب أعظم وأجل من أن يقسم عليه بهذه الأشياء، ويكون الغرض من هذا الكلام تعظيم المقسم عليه، وتفخيم شأنه. وثانيها: كأنه تعالى يقول: لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب، فإن إثباته أظهر وأجلى، وأقوى وأحرى، من أن يحاول إثباته بمثل هذا القسم.;

مشاركة :