علماء وخبراء نفسيّون: الأفكار غير العقلانية وراء جريمة الحمراء

  • 6/28/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أكّد عدد من علماء النفس وخبراء التربية أن الجريمة البشعة التي ارتكبها الشقيقان التوأم خالد وصالح العريني ضد والديهما وشقيقهما في حي الحمراء بالرياض، أنّها جريمة بشعة تتجرد من الفطرة الإنسانية، وتتنافى مع كل قيم المجتمعات البشريّة، إذ لا يقبلها عقل ولا دين بأي حال من الأحوال، وطالبوا بأهمية قيام علماء النفس والاجتماع ومراكز البحث والدراسات الاجتماعية بالبحث المكثف ودراسة هذه الظاهرة، وتقديم النتائج والتوصيات لمواجهتها وعلاجها. مواجهة الإرهاب لم تعد أمنية بل بتعزيز دور الأسرة وتوظيف الإعلام لتصحيح المفاهيم الخاطئة دور المخدرات وقال أستاذ الإرشاد النفسي بجامعة الملك سعود بالرياض د. فهد عبدالله الدليم: في ضوء المعلومات الشحيحة جدًا المتوفرة عن حالتيّ المجرمين، فإنني لا أستبعد دور المخدرات وتأثيرها في سلوك الابنين البشع، فنحن نعرف أن الأعراض الانسحابية لأغلبية المواد المخدرة تكون قوية، وقد تعمي بصيرة المدمن إلى الحد الذي يجعله يتصرف بطريقة جنونية لا تحسب حساب القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية. وأشار إلى أنّ المدمن الذي يعاني من أعراض الانقطاع عن التعاطي وظهور الأعراض الانسحابية عليهم يجعلهم يفقدون السيطرة على أعصابهم أو التحكم في ردود أفعالهم وقراراتهم، وبالتالي فأنا لا أستبعد من الوهلة الأولى أن يكون للمخدر دور في ارتكاب هذه الجريمة البشعة، أيضاً ما يعزز اعتقادي هذا أنه مهما كان الفكر المنحرف والمتطرف الذي يحمله هذان المجرمان، إلا أن التمثيل بالأم وقتلها بتلك الطريقة قد لا يكون نتيجة فكر منحرف. وتابع: من المعروف لدى المختصين في علم النفس التربوي أن الرابطة العاطفية وغريزة الحب الفطرية التي تربط الابن بوالدته بالذات لا تسمح له بارتكاب مثل هذه التصرفات والسلوكات مهما كان فكره، إلا إذا كان واقعاً تحت تأثير مخدر أو مسكر وليس مجرد فكر، ولذلك فإنّ جريمة قتل الأم وفي ظل تطبيع اجتماعي وتنشئة تربوية أسرية في بيئة إسلامية محافظه يجعلني أتحفظ وأتوقف قليلًا عند هذه الحالة بالذات قبل القول بأن الفكر الداعشي هو المسؤول الأول عنها. مراهقون ضحايا من جهته، يبين الأستاذ المشارك بعلم النفس وعميد كلية المجتمع بجامعة حائل د. بنيان بن باني القلادي أن الأسباب المُحتملة لحدوث جريمة الحمراء البشعة وجرائم الفكر المتطرف بشكل شمولي تتعدد، ولكن نجد أن من أهم هذه الأسباب الأفكار غير العقلانية التي غرسها أفراد الفكر الضال في عقول المراهقين والشباب، مستغلين ما يمر به الشباب في مرحلة المراهقة من اضطرابات انفعالية وتغير للمزاج، حيث يزودونهم بمعلومات مغلوطة وغير صحيحة بمنطق غير دقيق، يحاولون من خلاله تأكيد أحاسيس ومشاعر التناقض الذي يشعر به المراهق، نتيجة مروره بتغير في الوجدان بفعل التغيرات الجسمية ومرحلة النمو النفسي الصعبة في هذا السن، كذلك استخدام أفراد التنظيمات الإرهابية وسائل التواصل الإلكتروني والإنترنت، حيث يتم من خلالها بث معلومات غير دقيقة وإشاعات غير حقيقية عن الوطن والمواطن، من أجل هدم المجتمع عبر التأثير على أفكار الشباب، عند عدم توجيههم من قبل من حولهم بخطورة تلك المعلومات على مشاعرهم وأفكارهم. وأشار إلى أن غياب دور الأسر في معايشة الخواء النفسي والاضطرابات الوجدانية النمائية التي تمر على أبنائهم، نتيجة التغيرات الهرمونية والجسدية التي تصاحب النمو للمراهقين والشباب، وعدم الإلمام والمعرفة من قبل الأسرة بظروف هذه المرحلة العصيبة والتناقضات الانفعالية، قد يجعل الآخرين ومنهم المنظمات الإرهابية إلى استغلال الشباب، ويمكن علاج المشكلة من خلال التوعية الإعلامية للأسر بخطورة التغيرات الانفعالية التي يمر بها المراهقون والشباب في مرحلة المراهقة، حيث ينتج عنها كثرة الأفكار المتضادة بفعل فيض المشاعر المتدفقة نتيجة التغيرات الهرمونية والجسدية للنمو المستمر لهم، وبما أنّ أغلب من يقع كضحية للفكر الضال هم من فئة المراهقين الشباب، لذلك فإن على الأسر احتواء الأبناء وإرشادهم نفسيًا للمعلومات الصحيحة أو عند عدم توفر المعلومة توجيههم الى مصادر المعلومات الصحيحة، كما يجب التعامل بمرونة وود ولطف مع الشباب من قبل الأسر وإتاحة الفرصة لهم للتعبير والحوار معهم وتصحيح أفكارهم الخاطئة بهدوء ولين. الأسرة أولاً ويرى أستاذ علم النفس الإرشادي ورئيس قسم علم النفس بجامعة شقراء د. عمر بن سليمان الشلاش أنه في تقديره أنّ جريمة قتل أحد الوالدين تعتبر جريمة عجيبة من عجائب الزمن الذي نعيش فيه، وهي في ذات الوقت بحاجة إلى نظرة تأمليّة نحو مختلف الأسباب، سواء كانت نفسية، اجتماعية أو مادية، لاتخاذ كل الاحتياطات اللازمة من قبل الوالدين أو المجتمع، لتجنب وقوع مثل هذه الجريمة الكارثيّة. وأضاف: تتمثل الأسباب الحقيقية في وصول الأبناء إلى هذه المرحلة الخطرة في عوامل منها، إساءة الوالدين في تعاملهم مع الأبناء وممارسة العنف الأُسَري بشتى ألوانه، وفشل الأبناء في الحصول على المساعدة والمساندة، وعدم القدرة على التواؤم مع ما يحدث لهم، ما ينتج عن هذه القسوة والاهمال من ظروف يكون فيها الأبناء فريسة لوسائل الاعلام والتواصل، ولقمة سائغة لمروجي الفكر المتطرف من قبل الفئات الضالة والباغية. وتابع: أحياناً الأبناء يعيشون ظروفاً صعبةً، تتمثل في تحملهم مسؤولياتٍ أكبر من أعمارهم في أسرهم، ويكون دافع الأسرة في ذلك تعويد الابناء على الاعتماد على أنفسهم، مثل رعاية أحد الوالدين أو إدارة شؤون الأسرة بكاملها، مما يضع على عاتقهم عبئاً أكبر، يقودهم في نهاية الأمر إلى محاولة التخلص من مصدر هذا العبء باللجوء إلى لون من ألوان العنف والعدوان، ومِمَّا يؤدي إلى العنف أحياناً الابن المدلل الذي يدفعه هذا الدلال والحماية الزائدة -من قبل الوالدين أحياناً- إلى اتجاهات معادية للمجتمع بوجه عام والأسرة على وجه الخصوص، وقد يكون القتل أحد نواتجها. وأشار د. الشلاش إلى أن علاج هذه الظاهرة يتطلب تعليم الوالدين مهارات تربية الأبناء وكيفية تنشئة الأبناء بالشكل الصحيح، وقيام علماء النفس والاجتماع بالبحث المكثف في هذا الموضوع لتقديم النتائج والتوصيات والمعلومات الضرورية حول إدارة الأسرة وتربية الأبناء، والاهتمام -من قبل الوالدين- بتحسين مهارات التواصل المجتمعي وتقوية الروابط العاطفية الصحية، ودعم الأطفال في كل المراحل العمرية عن طريق دورات مدرسية تحفزهم على فتح قلوبهم والشكوى إذا تعرضوا لأي إساءة، ودورات تقوية الثقة بالنفس، فضلاً عن التوعية الدينية المكثفة للأبناء منذ طفولتهم، وتنشئتهم وتربيتهم وغرس قيمة ومكانة الوالدين. أساليب التنشئة وتشير الباحثة في مجال علم النفس النمو والمحاضرة في قسم علم النفس بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة خلود ناصر، إلى أن المتمعن في حادثة حمراء الرياض يجد أن ضحايا هذا التطرف والغلو هم من فئة المراهقين والشباب، ولا يخفى ما تتميز به مرحلة المراهقة من تغيرات حادة تسهم إلى حد كبير في التأثير على نفسية المراهق وعلى طريقة تفكيره، فهم بطبيعتهم -ووفقاً لخصائص مرحلة نموهم- يميلون إلى الحساسية الانفعالية، التي تجعل من ردة فعلهم غير مناسبة لطبيعة المثير الذي يتعرضون له، هذا بالإضافة إلى ضعف تحكمهم في انفعالاتهم؛ الأمر الذي يدفهم إلى التمرد والعصيان، ومحاولتهم الدائمة للبحث عن هويتهم، والإجابة على سؤال يتكرر دائما في أذهانهم وهو من أنا؟. وتابعت: بصفة عامة، وحتى نستطيع أن نحول دون وقوع المراهقين والشباب كضحية سهلة ولقمة سائغة في أيدي الجماعات المتطرفة، وحتى نحميهم من أساليب التأثير عليهم وتسميم أفكارهم بمعتقدات وأوهام لا أساس لها من الصحة، ومن خلال معرفتنا لهذه الخصائص والمتطلبات، نؤكد على جميع الآباء والأمهات ومؤسسات المجتمع التربوية والاجتماعية ضرورة تفهم خصائص المرحلة العمرية، وهنا لابد لنا من مراجعة أساليب التنشئة والتربية الأسرية التي تتبعها الأسرة في التعامل مع مراهقيها، فالغلو والتشدد في التعامل مع الأبناء قد يكون خطراً على مستقبل المراهق الفكري والوجداني، كذلك ينبغي على الآباء قضاء جل أوقاتهم مع أبنائهم في تبادل الحوارات والمحادثات حول المواضيع التي تشكل أهمية كبيرة للمراهق وتشبع لديهم الجانب الديني المعتدل لتجنب وقوعهم في براثن الانحراف. من ناحيتها، تقول أستاذ علم النفس النمو المشارك بجامعة الطائف د. سناء بنت حسن عماشة: نحن أمام جريمة بشعة بكل المقاييس يبرز فيها ضعف الوازع الديني، والانعزال عن المجتمع والأسرة والانشغال بالتقنية بشكل سلبي لأوقات طويلة، وذلك في ظل انعدام الرقابة على سلوكهم ومعرفة رفاقهم وأصدقائهم ولا سيّما في قنوات التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي سهّل لقيادات الفكر الضال اختراق هؤلاء الشباب فكريًا وسلوكيًا ونفسيًا، والتغرير بهم، وبالتالي دفعهم لارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة دون أدنى وازع ديني أو اجتماعي أو أخلاقي أو حتى انساني، مهيبة بضرورة تكاتف مؤسسات المجتمع التربوية والتعليمية والدينية ومراكز الأبحاث والدراسات الاجتماعية والتربوية والنفسية، ومنح هذه القضية ما تستحقه من الاهتمام والبحث والدراسة، والقيام بدورها تجاه حماية عقول وأفكار الناشئة. توظيف الإعلام ويعتقد دكتور علم النفس الجنائي والمستشار النفسي والاجتماعي بوزارة التعليم د. زامل الرويس إنّ تزايد جرائم الإرهاب يحتاج إلى الكثير من الدراسات المتعمقة والمتخصصة؛ وذلك لمعرفة الأسباب وسبل العلاج، فنحن ندرك أن الجريمة موجودة في أي مجتمع، وبلادنا ولله الحمد تتميز بتطبيق شرع الله، وتعتمد على المنهج الإسلامي، وبالتالي نحن أكثر تماسكاً وأقل جريمة، وأنّ موضوع الإرهاب أصبح ظاهرة دولية لم يقتصر على دين أو مذهب أو بلد، وأضحى خطراً يهدد الفرد والمجتمع، وأن عناصره التي تم تجنيدها يتراوح متوسط أعمارهم ما بين 18 - 30 سنة. وعدد أسباب سهولة تجنيد الشباب من قبل الجماعات المتطرفة المتمثلة في العزلة الفكرية، وهي أسلوب من أساليب غسيل الأدمغة، والعزلة البيئة وتكون خارج البلد من خلال استدراجهم للسفر للبلدان المضطربة سياسيًا وأمنيًا، وغسيل الأدمغة الكيمائية، بجعل الفرد يتناول مواد معينة هلوسة تفصل فصي المخ الأيمن عن الأيسر، بعد ذلك يقومون بتوجيه وغرس الأفكار المتطرفة، مشيراً إلى أنهم في علم النفس يقولون -وكقاعدة عامة- أن أي مريض نفسي لديه استعداد مسبق للمرض، وبالتالي فمن استغل في الارهاب من الاشخاص فقد كان لديه خلل في التربية. وقال: إن هؤلاء المنضوين تحت لواء داعش يعانون من أزمة الهوية، ففي مرحلة المراهقة يبحث المراهق عن دوره وإبراز ذاته وشخصيته، وتتبلور شخصيته وتتحدد متأثرة بخبرات الطفولة والظروف الاجتماعية المحيطة مثل الأقران والمدارس والمساجد، كما يشكل الإعلام خاصة الحديث منه عاملاً خطراً في هذه الفترة، خصوصاً أن الشباب لديهم قدرات وطاقات تجعلهم يقضون وقتاً طويلاً على قنوات وسائل التواصل الاجتماعي، مطالباً بأهمية تعزيز دور الأب وتعاون الأسرة مع المؤسسات التربوية، وتوظيف الإعلام لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ولا سيّما إذا ما آمنّا بأنّ الوعي التربوي، والديني والنفسي، والاجتماعي أساسيات لابد منها. وشدد د. الرويس على أهمية تعاون هيئة الاتصالات ممثلة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من حجب المواقع الخطرة، التي تهدد المجتمعات، كذلك لابد من تعاون المنظمات الدولية والإقليمية في مكافحة الإرهاب، حيث أثبتت الدراسات والأبحاث أن الحل لمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية لم يعد عسكرياً وأمنياً، وإنما الاعتماد على الدعاة ورجال الدين لمناصحة الفكر الضال، والتي سيكون لها أثار إيجابية في تصحيح الافكار الخاطئة. د. بنيان القلادي د. عمر الشلاش د. زامل الرويس

مشاركة :