في النهاية لم يكن هناك واحد غاضب في ملعب بارك دي برانس، ولم يكن هناك أحد خائف إلى هذا الحد كذلك، ربما باستثناء أولئك المشاهدين الذين يطاردهم هاجس أن تمتد هذه المباراة الطاحنة بين ويلز وآيرلندا الشمالية في دور الـ16 إلى وقت إضافي. وهذا لا يعني أن تلك الليلة كانت وقتًا خاليًا من المتعة تمامًا. كان هناك من دون شك قدر كبير من الغناء المقبل من المدرجات، حيث أكد مشجعو آيرلندا الشمالية إحساس الرشاقة والمتعة في البطولة التي مثلت حدثًا مهمًا لهم. تنتقل ويلز إلى ربع نهائي يورو 2016، حيث ستواجه بلجيكا يوم الجمعة. وبالنسبة إلى فريق مايكل أونيل الذي يتمتع بالقدرة على التأقلم، فقد انتهت المسيرة الآن بعد مباراة كانت آيرلندا الشمالية الأفضل فيها خلال الساعة الأولى – قد تختلف أو تتفق معي فهذه الأمور نسبية – قبل أن يسقط من خلال هدف المباراة الوحيد. وكما كان متوقعا دائما، صنع غاريث بيل هدف المباراة الوحيد، الكرة العرضية الأرضية الشريرة من الجهة اليسرى، التي حولها غاريث ماكولي إلى داخل مرماه. بعد نهاية المباراة، وعندما يتعلق الأمر بـ«بيل» و«ويلز»، فمن جديد تجدر الإشارة إلى أن نتحدث بما هو واضح. كان أغلى لاعب في العالم يخضع لرقابة خانقة هنا لكنه كان لا يزال عنصرا فارقا حقيقيا، وهو لاعب من طراز رفيع قادر على أن يتحرك ويدور ويرى المباراة من مستوى أعلى من أي لاعب آخر على أرض الملعب. في تلك اللحظات كان من الصادم، بل ومن المحرج قليلاً، أن ترى بيل يجري بعيدًا بالكرة، مشبها في بعض الأحيان معلم التربية الرياضية الذي يلتحق بدرس مباريات عصر الجمعة. وهو مشهد فرضه بشكل أكبر انغماس بيل التام في كل مباراة يلعبها مع ويلز، وعدم انشغاله بسلوكيات مثل التلويح بالذراعين تعبيرا عن الإحباط إذا ما اصطدمت موهبته بالأحداث المحيطة به. في لحظة ما في باريس، كان بيل محاصرا بضغط من 4 مدافعين، لكنه بدا يتراجع خطوة ليتخلص من الأصابع التي تمسك بقميصه، بينما في نفس الوقت يحاول تخليص جذعه من مجموعة أخرى من الأيدي ويعدل وضعية قدميه لينطلق بالكرة بعدها. لم تكن هناك أسباب كثيرة لتذكر هذه المباراة. على التلفزيون الألماني، وصف محمد شول المباراة بأن «لا علاقة لها بكرة القدم»، وكان محقا في هذا بصورة ما على الأقل. لقد كانت المباراة تتعلق أكثر بجو المشهد العاصف بين الحالين. كان جمهور ويلز الذي يشكل كتلة قوية من القمصان الحمراء تمتد لنحو ربع ملعب بارك دي برينس. وكان المشجعون الآيرلنديون أقل عددا لكنهم كانوا يصدرون نفس القدر من الصخب، ويقفزون في مقاعدهم وهم يغنون الأغنية المألوفة لـ «ويل غريرغ» وحالة تألقه المستمر. أما على أرضية الميدان، فكانت آيرلندا الشمالية قوية، حيث لعبت على مدار ساعة بالطريقة التي تلعب بها ويلز، عندما تكون ويلز في حالتها المعتادة، متقهقرة إلى الخلف، وتلعب بخشونة، وتبحث عن نافذة لهجمة مرتدة. كان الفارق أن ويلز كانت تملك تلك الورقة التي لا يمكن تجاهلها. وليس معنى هذا أن هذا الفريق هو منتخب النجم الأوحد. كرر آرون رمزي أداءه الجيد كذلك. وكان جو الآن لاعب وسط مدافع من طراز رفيع. ويلز كانت ببساطة فريقًا، بصرف النظر عن تألق الأفراد. ومع هذا، فلا تزال هناك حاجة للتراجع خطوة وتقدير مشهد لاعب نجم حقيقي يفعل كل شيء استثنائي، إن لم يكن غير مسبوق. سجل بيل 7 من 11 هدفا أحرزتها ويلز في التصفيات. وفي فرنسا، كان مصدر تهديد لا يمكن إيقافه في كل مباراة. إن بيل، فوق كل شيء، يعتبر اللاعب صاحب التأثير الهجومي الأبرز للاعب واحد في البطولة. وهذه اللحظات لا تأتي في كثير من الأحيان. في النهاية، هناك بلد لم يصل إلى البطولة منذ 58 عاما، وهو الآن يقف على أعتاب مباراتين من النهائي. وأفضل شيء أن ويلز ليس لديها ما تخشاه. ولا يعود هذا فقط لأسباب تتعلق بكونها فريقًا لم يكن متوقعًا له أن ينجح في البطولة، وإنما لأن البرتغال هي فقط – وحتى هذا الأمر متنازع عليه – من لديه موهبة هجومية رفيعة يمكنها مجاراة المدفع الويلزي. لقد حقق الكثير من المنتخبات في الماضي نجاحات في هذه البطولة تخطت مستوى التوقعات. فاز بعض الفرق باللقب من خلال الإرادة الجماعية للفريق. وهناك سوابق أقل لوصول منتخبات إلى أدوار متقدمة، اعتمادا على نجم أوحد، يصنع لها الفارق. في كأس العالم، قاد إيزيبيو البرتغال إلى نصف النهائي في 1966. كما وقاد زبيغنيو بونيك وغريزيجورز لاتو المنتخبات البولندية القوية إلى نصف النهائي مرتين. وكما هو طبيعي ومتوقع، فإن دييغو مارادونا يقف قرب قمة أي قائمة لإنجازات فرق النجم الأوحد. لا يعد بيل من بين تلك النوعية من اللاعبين. كان مارادونا من اللاعبين العظماء على مر التاريخ، وفعل شيئًا فريدًا في بطولة المكسيك 1986. وويلز تلعب في دور الـ8 في بطولة أقل ضغطًا. ومع هذا، فمشهد بيل، ولو كان من بعيد، يصنع بشكل ما، تأثيرا على الطريقة المارادونية، في هذه البطولة – وهو ما يمكن أن يسميه أساتذة العلوم السياسية الأميركيون إمكانية مارادونا – ليس بعيدا من أن يصير حقيقة هذه الأيام. ليس هناك قوى عظمى طاغية في بطولة فرنسا. وخشية أن ننسى، فمارادونا نفسه خرج فعليا من ربع النهائي. لكن الحكاية لم تنته بعد بالنسبة إلى بيل. في الوقت الراهن، يخوض بيل ببساطة بطولة رائعة ويلعب فيها بأريحية وحرية غير عادية؛ فسجله في 4 مباريات يشمل 19 تسديدة على المرمى و21 مراوغة، وهو أعلى من أرقام أي لاعب آخر في هذه البطولة. والأهم، أنه تم استخلاص الكرة من بيل كثيرا، تقريبا نصف عدد المرات التي تم قطع الكرة منه طوال عام كامل في الدوري الإسباني الممتاز. مرر عددا كبيرا من التمريرات الخاطئة، وسمح له بارتكاب المخالفات، ليستفيد بفرصة من خلال تأثيره. وهذا بالتأكيد مفتاح نجاحه هنا، وكذلك انتصار كريس كولمان التكتيكي. لم يمنح أي مهاجم آخر مثل تلك الحرية لارتكاب المخالفات، ويوضع في مكان رفيع بالفريق ويشجعه المدرب على الركض بالكرة، والمخاطرة، والتجول في الملعب كما يريد، لكن أن يحرك اللاعبين معه كذلك. في مواجهة بلجيكا، ستلعب ويلز في ربع النهائي، باعتبارها الفريق الأقل حظوظا، وهو ما يمكن أن يناسبهم بشكل أفضل من العراك مع الآيرلنديين الشماليين. ما يقال كثيرًا هو أن إيقاف بيل أمر أكثر سهولة بالنسبة إلى الفرق الأفضل. أكسيل ويتسيل وبقية لاعبي وسط بلجيكا، رفيعي المستوى، يمكنهم ببساطة أن يقرروا أن حرمانه من الكرة، ونقل الاستحواذ إلى مناطق أخرى من الملعب، كما فعلت إنجلترا في لانس، عندما لم يفعل بيل أي شيء يذكر باستثناء الهدف الذي سجله من كرة ثابتة. وعلى أي حال فإن ويلز ستضطر إلى أن تلعب بشكل أفضل في كل منطقة من الملعب لتصل إلى الدور التالي. بدا أشلي ويليامز مهتزا في بعض الأحيان. ووسط الملعب، المتفوق نظريا، استغرق ساعة ليثبت نفسه. ورغم كل ما قدمه خلال هذه المسيرة، فإن تأثير بيل يظهر أحيانا كوميض، وإن كان يظل لاعبًا يملك الحرية لأن يتألق في أي لحظة.
مشاركة :