منذ سنوات ليست قصيرة وفي أكثر من مقال، كنت أدعو المسؤولين عن استثمارات الدولة ولا أزال أن يلتفتوا إلى الداخل وأن يستثمروا على أقل تقدير نصف الفوائض داخل الكويت، حماية لهذه الاستثمارات لما لهذا العمل من أثر إيجابي على كافة الأصعدة، وهذا من شأنه أن يجلب للسوق أموالا من خارج الكويت عندما يرى المستثمرون أن الكويت تولي اهتماما لسوقها المالي وما يترتب عليه من أنشطة اقتصادية وعمرانية وصناعية تنشأ وتقام داخل الكويت. مع الأسف الشديد لم تجد هذه المناشدة آذانا صاغية، فهل يعقل أن سوقا كبيرا مثل سوق الكويت للأوراق المالية لا يتجاوز التداول اليومي فيه أكثر من عشرة ملايين دينار في أحسن الأحوال، وفي كثير من الأيام ينخفض عن هذا المبلغ، بينما أموال الكويت وفوائضها المالية تستثمر بالفاضي والمليان في الشرق والغرب وبعضها في أسواق ناشئة، وها هي الكويت اليوم تدفع ثمن هذا القرار الخاطئ والمدمّر لتكبدها مليارات الدنانير على أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مما تسبب في انهيار اقتصادها وعملتها. سرني كثيرا أن مجموعة من النواب تحركت أخيرا للمطالبة بتحويل جزء من أموال الهيئة إلى داخل الكويت، بعد أن وقع الفاس بالراس وطارت الطيور بأرزاقها. أحيانا أظن، وإن كان بعض الظن إثما، مع أني لا أتهم أشخاصا بعينهم، أن هناك قوة خفية ومستشارين أجانب يديرون هذه الاستثمارات ويوجهونها عمدا إلى الخارج لأغراض معينة خدمة لبلدانهم ويحرمون منها الداخل، ثم أراجع نفسي فأقول: هب أن هذا الأمر صحيح، ولكن من الذي يمنع الهيئة من أن تشارك في إقامة مشاريع صناعية وعمرانية بالاشتراك مع شركات عالمية داخل الكويت، فتحقق بهذا العمل نمواً اقتصادياً من شأنه أن يخلق وظائف وفرص عمل للشباب الكويتي بأعداده المتزايدة التي تنزل إلى سوق العمل كل عام، ونحقق بالتالي رغبة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه بأن يجعل من الكويت مركزا ماليا عالميا يستجلب أموالا واستثمارات من الخارج. ربما تكون هذه الضربة المؤلمة والخسارة الفادحة التي تكبدتها الكويت حافزاً لتغيير اتجاه الاستثمارات، ورسم سياسة جديدة لهيئة الاستثمار بعقول وأفكار تنسجم والمستجدات وما تتطلبه المرحلة من معالجات واصلاحات اقتصادية مهمة.
مشاركة :