أن يتفق البحرينيون على أمور وأن يختلفوا على أخرى، فأمر يعود إليهم دون غيرهم، أن يتحاوروا، أن يبادلوا الرأي أن يختلفوا فيه وحوله، فأمر يخصهم لوحدهم، فالبحرين بلد حر ذو سيادة، فيها دستور وقانون وانتخابات وصحافة حرة ومجالس شعبية، وترتفع فيها الأصوات، تتفق وتختصم، إلا ان كل ذلك يظل في إطار الوطنية البحرينية الخالصة. ان تتدخل إيران او غير إيران في شأن البحرين والبحرينيين وبشكل فج، ومن خارج الأطر والأعراف الديبلوماسية، بالتهديد والوعيد والاملاء وتقرير ما يجب وما لا يجب، فأمر لا يمكن القبول به ولا فهمه الا في أحد الإطارين التاليين: - أما أن إيران تعتقد ان لها ولاية على البحرين، ويحق لها ان تفتي في أمرها وشأنها الداخلي وأمر نظامها السياسي والقضائي والاجتماعي. - أما أنها تعتقد ان بعض أفراد المجتمع البحريني يقعون تحت ولايتها، وبالتالي لا يجوز التصرف معهم بأية صورة من الصور، بما في ذلك مقاضاتهم وفقًا للقانون البحريني، بما يخوّل لها التعبير عن الاحتجاج والصراخ وإطلاق التهديدات العلنية. ولأن الاحتمالين السابقين لا علاقة لهما بالواقع، باي معيار من المعايير، ولأن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة تمامًا بين البلدين في الوقت الحاضر، فإن التدخل الإيراني في الشأن البحريني لا يمكن اعتباره سوى اعتداء سافر على السيادة البحرينية بمعيار القانون الدولي، إلا أن هذا التعدي قد تجاوز العلاقة مع البحرين إلى العلاقة مع الإقليم العربي الذي تعتقد إيران او تتوهم انها تضعه في جيبها. فالسنوات الماضية شهدت توترات في العلاقة بشكل دراماتيكي: فقد تم الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والاعتداء بالضرب على دبلوماسي كويتي في طهران، وتم نشر مقالات وتصريحات لكتاب كبار ومسؤولين مقربين من المؤسسة الحاكمة في طهران تنادي بتبعية البحرين لإيران، وتم اطلاق تصريحات عنترية حول استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، إضافة إلى الكتابات والتصريحات المتشددة تجاه عرب الخليج عامة بمناسبة وبغير، ولذلك أصبح التعدي يشكل هاجسا لأهل الخليج، من حيث استمرار نهج تصدير الثورة والتدخلات الفجة والمعلنة في أكثر من بلد عربي، وهو نهج تجاوز التصريحات والتحريضات الى الأفعال. هذا الدور التخريبي الواضح يعاضده تفكير عنصري وثقافة مركزية عنصرية معادية لكل ما هو عربي، منعكسًا على المناهج الدراسية والاعلام والثقافة والمجتمع، ويتساوى في هذا التفكير الفوقي تجاه العرب عنصريون فرس علمانيون، ومتدينون متخلفون يؤمنون بأن العرب لا يساوون شيئا بمعيار الحضارة والابداع والتأثير في العالم.!! المشكلة اليوم أننا أمام نظام يلهث لضمان استمرار حكم استبدادي ثيوقراطي، وليد ثورة (1979) وحرب مع العراق (1980-1988)، بات متخاصمًا -داخليًا- مع مجتمع يشعر بالاختناق من سلطة الملالي ومن نظرية ولاية الفقيه، بسبب خلطها بين السياسي والديني، ومتجهًا -خارجيًا- بوضوح كبير نحو الفاشية السياسية والتوسعية العسكرية، التي من مظاهرها العنصرية الصارخة، والادعاءات التاريخية والتحشيد ونشر الأوهام والتعالي والغطرسة والعنجهية، ولذلك ليس هنالك في الأفق القريب أي امل في إمكان إصلاح هذا النظام الديني الفاشي ودفعه في اتجاه الديموقراطية، لأنه يدعي الاستناد إلى شرعية عليا، بما يعيق عملية التغيير الديموقراطي على الصعيد الداخل، كما يعيق التعايش السلمي والقبول بالاختلاف على صعيد العلاقة مع الجيران، بذريعة الدفاع عن الطابع المقدس للنظام السياسي. ولذلك نتوقع ان تتزايد هذه العدوانية الإيرانية الطاغية على المرحلة في ظل تراجع الوضع العربي بانهياراته الكبيرة، كما أنه من الوهم في ظل الواقع الحالي الذي مد فيه لنظام الملالي طوق النجاة من قبل القوى الغربية -وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية- المراهنة على القوى الإصلاحية الإيرانية التي تتسم مواقفها بقدر اكبر من العقلانية وقدر اقل من العدوانية والفاشية الدينية، وذلك لأن هذا التيار يمر بمرحلة من الوهن والتردد والضمور بعد ان تم تدجينه من قبل المؤسسة الدينية، بالرغم من كونه ينادي بضرورة العمل بكل الوسائل لتعميق العلاقات الإنسانية والثقافية والاقتصادية بين ايران والخليج العربي، ويرى في تعميق العلاقات تجاوزا لكافة أنواع الخلافات، وان المصالح اقوى من العوائق التاريخية والعقد الطائفية. ولكن الحقيقة التي على الأرض اليوم هي أن المشروع الإيراني قد نجح إلى حد الآن في تدمير العراق، كما نجح في اختراق الأمن القومي في لبنان، ويبدو انه ينجح في سوريا، ويبدو انه في طريقه الى الانتهاء في اليمن، ولكن ما يهمنا في هذا السياق هو هزيمته الكاملة في البحرين، ولن نكرر هنا ما هو معلوم بين عامة الناس من ان إيران وفي إطار جهدها التوسعي المستند إلى خلطة من الأيديولوجيا والخرافات والأطماع والمقت لكل ما هو عربي، قد أعجبها نجاح رهاناتها في كل من العراق ولبنان وسوريا عبر الاختراق السياسي والأيديولوجي والمالي والإعلامي فأرادت - بعد ان هيأت مسرح العمليات بالتدريب والتحريض والتعبئة والتمويل - ان تدفع بالمغامرين لإنجاز الانقلاب في الزمن العربي والدولي الأكثر رداءة، ولذلك فلا مناص للبحرين وأهلها -مهما اختلفت بهم السبل وتشعبت بهم الآراء والمواقف- إلا الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة العدوانية الإيرانية المندفعة الى الحرب، وهذا يقتضي العمل على تعزيز بناء الجبهة الداخلية، لأن الخطر داهم والتهديدات أصبحت اكثر وضوحًا في شراستها، ولا نستغرب أي شيء من نظام فاشي في تركيبته وفي مشروعه الايديولوجي ومخططاته العدوانية.
مشاركة :