حتر يكتب: كل شيء تحت السيطرة!

  • 6/29/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

باستخفاف شديد، إنْ لم نقل بخفّة، استقبلت الحكومة الأردنية، إعلان داعش تبنّي الهجوم الإرهابي على الموقع الأمني الأردني في الرقبان. ولكنه، في الواقع، تطوّر سياسي ـ أمني خطير جدا؛ معناه أن الأردن نفسه تحوّل، في المنظومة الفقهية ـ السياسية للإرهابيين، إلى أرض جهاد. والسياق واضح: الفشل والتراجع على جبهتي سوريا والعراق، يتطلب فتح جبهات جديدة، في الجوار الأردني ( واللبناني؛) والجديد هجوم معلًن عنه على ما أسمته داعش الحدود المصطنعة بين العراق والأردن، وسلسلة هجمات انتحارية في بلدة القاع اللبنانية. وتتعدى تأثيرات هذه الإعلانات، الهجمات المخططة لدى قيادة داعش ضد الأردن، إلى هجمات تصدر عن الدواعش، ذئابا منفردة وخلايا، من تنظيم الدولة من سواه من التنظيمات والمجاميع التكفيرية الإرهابية المتداخلة المتقاتلة العائدة ، في النهاية، إلى مرجعية فقهية واحدة؛ نحن، إذاً، أمام استحقاق جدي يتمثل في ضرورة الاعتراف بأن الإرهاب أعلن الحرب على الأردن؛ الإرهاب هو الإرهاب، سواءً في مرجعياته أم بناه أم سيكولوجيا أفراده؛ ولذلك، فإن نظرية التمييز بين إرهاب معتدل وإرهاب متطرف، تلك التي صبغت الأداء الأردني في سوريا والعراق، لا تصلح عندما تصبح الحرب داخل الأسوار. بالخلاصة، لا يوجد سوى تعريف واحد للإرهاب هو استخدام السلاح خارج الشرعية الوطنية وسيادة الدولة؛ فلا توجد شرعية لشيء اسمه معارضة مسلحة معتدلة. لا يمكن قرن السلاح بالمعارضة وبالاعتدال من حيث المبدأ؛ينطبق ذلك على الأردن كما على سوريا والعراق وليبيا وكل مكان لا يخضع لاحتلال أجنبي. السلاح الشرعي الوحيد هو للدولة أو لمن تأذن لهم الدولة بحمله، أو للمقاومين ضد احتلال أجنبي. وعليه، فإن تسليح أو دعم مسلحين معارضين للدولة تحت أي شعار كان، هو دعم للإرهاب. ولا يمكن اعتماد هذا المبدأ السيادي داخل بلدك، وممارسة ضده في بلد آخر؛ أحد المعيارين سوف ينتصر في النهاية؛ فإما تعميم مبدأ شرعية سلاح الدولة أو تعميم المبدأ المعاكس. أوهام النظرية القائلة بإمكانية توظيف أو اختراق تنظيمات إرهابية، أو السيطرة عليها وإدارتها، ثبت، مرارا وتكرارا، أنها تنطوي على مغامرة تنتهي بالفشل وبثمن باهظ، سواء على مستوى نجاح الإرهابيين بالاختراق المضاد أو على مستوى انتقال الأدوات الإرهابية من سيد إلى آخر أو من أجندة إلى أخرى. وفي ما يتصل بالتنظيمات الدينية؛ فإن الآليات الداخلية للبنى النفسية والتنظيمية، تقود إلى هيمنة الأكثر تطرّفا؛ وعلى رغم اقتتال التنظيمات الدينية الإرهابية الداخلي على المغانم؛ فإن مرجعيتها تظل هي نفسها، ويسهل عليها، لذلك، أن تخترق بعضها بعضا، بحيث لا يستطيع أحد أن يفصل، ميدانيا، بين معتدل أو متطرف، بين مسيطرٍ عليه ومتمرد؛ ولا يمكن أن يكون ولاء التكفيري الإرهابي لجهاز استخبارات فوق ولائه للتكفيريين؛ فهذا ينتمي، في النهاية، إلى دائرة حياتية عاطفية نفسية منغلقة منفصلة عن دوائر الحياة الأخرى. وكل مجنّد أمنيا من التكفيريين هو قنبلة موقوتة لا يمكن تقدير متى تنفجر بالذين جندوا التكفيري. الأردن، الآن، في مواجهة تقاطعات معقدة بالغة الخطورة على أمنه، وسط تخلٍّ أميركي عن النتائج، أو، على الأقل، وسط تقديرات قوى إقليمية وتنظيمات إرهابية أنها أمام مساحة حركة مفتوحة في الأشهر الأخيرة لولاية الرئيس الأميركي، باراك أوباما؛ واضحٌ، في النهاية، أن الغطاء الدولي المستمر منذ العام 2011 لمنع تمدد الإرهاب التكفيري صوب الأردن ولبنان، قد تزعزع أو انهار. إن التورّط بعمليات وعلاقات تدريب وتسليح وإدارة مع جماعات إسلامية مسلحة، ذلك التورط المقترن، بالضرورة ـ كونه سريا ومنفلتا ـ ، بآليات الفساد، هو سياق ملائم وتربة خصبة لتمكين الإرهابيين في الداخل؛ ومن المؤسف أن أحدا لا يريد التعلّم من التجربة السورية؛ فبين عاميّ 2003 و2010، دربت السلطات السورية وسلّحت وسهلت نشاطات جماعات إسلامية للعمل ضد الاحتلال الأميركي في العراق؛ كان الهدف نبيلاً، وحقق الكثير من الأهداف السورية في صدّ المشروع الأميركي، لكن طوال تلك السنوات، كانت الأفكار التكفيرية تنتشر، والخلايا تتكوّن، والأسلحة تتسرّب إلى الداخل السوري، وتستعد للحظة إعلان الجهاد على أرض الشام. في العام 2009 تسنى لي طرح مخاوفي حول مآلات دعم التكفيريين للعمل في العراق، أمام مسؤول سوري كبير؛ ابتسم واثقا، وقال لي بحزم: اطمئن. كل شيء تحت السيطرة!

مشاركة :