فتى الشاشة الأول... عماد حمدي (5 - 10)

  • 6/30/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

فرض عماد حمدي اسمه على الوسط الفني والجمهور على السواء، وتحوّل إلى ظاهرة جماهيرية بامتياز، متصدراً شباك التذاكر، ومحتفظاً بلقب فتى الشاشة الأول عن جدارة. لكن وسط انشغاله بأعماله الفنية دق قلبه لدلوعة السينما المصرية، شادية، التي ضحى لأجلها باستقرار بيته وطلب الانفصال الهادئ عن زوجته، ليرتبط بعدها بشادية في زواج شكل حديث الوسط الفني. استفاد عماد حمدي في أربعينيات القرن العشرين من دخول مخرجين جدد إلى السينما المصرية، وكان هو القاسم المشترك بين تجارب هؤلاء من كامل التلمساني إلى هنري بركات ثم كمال الشيخ الذي كان يعمل مونتيراً، فرشحه لبطولة فيلمه الجديد {المنزل رقم 13} إلى جانب فاتن حمامة. كان أحد أوائل أفلام الحركة في السينما المصرية، وساهم الغموض الذي سيطر على أحداثه في نجاحه جماهيرياً، فاستمر عرضه أربعة أسابيع في سينما {مترو}، مكررا ًنجاح فيلم حمدي {سجى الليل}. في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، مع تقديمه فيلم {المنزل رقم 13} (1952)، تحول عماد حمدي من أحد النجوم الصاعدين بقوة إلى فتى الشاشة الأول بلا منازع، ومعشوق الجمهور الذي وجد فيه نموذجاً للمواطن المصري البسيط، وجاء صدق أدائه واختياره موضوعات جيدة بفضل خبرته السينمائية التي اكتسبها قبل أن يحترف التمثيل. شارك عماد حمدي في أفلام: {الضحية الكبرى}، {ليت الشباب}، {شمشون الجبار}، {الواجب}، {البيت الكبير}، {السجينة رقم 17}، {غرام بدوية}، {ست البيت}، الذي يناقش أزمة النساء المصريات، في تلك الفترة، بين الأم التي تسعى إلى أن تكون كلمتها مسموعة وزوجة ابنها الوافدة الجديدة إلى المنزل التي تريد أن تشعر باستقلالية في حياتها الجديدة، ويدور الصراع حول طبق {كشك ألماظ} على طاولة الطعام بين زينب صدقي (الأم) وفاتن حمامة (الزوجة)، وعماد حمدي الزوج التائه بينهما. تميّزت أدوار حمدي بالتضحية بالذات وجمعت بين الميلودراما والرومانسية، فجعلته أحد أهم النجوم السينمائيين، لا يكد يخرج من عمل حتى يبدأ آخر، وأحياناً يستمر عمله حتى بعد منتصف الليل لارتباطه بعملين يصوّرهما في الوقت ذاته. في تلك الأثناء، نشأت علاقة صداقة قوية بين عماد حمدي والمخرج عز الدين ذو الفقار القادم من سلاح المدفعية إلى السينما، فكان {أنا الماضي} أول أفلامهما سوياً، شاركه البطولة فيه كل من فاتن حمامة وزكي رستم، وحقق نجاحاً لدى عرضه في الصالات السينمائية. وبينما وثق ذو الفقار بإمكانات حمدي الفنية، كان الأخير يجد فيه الصديق الوفي ومخرجاً صاحب فكرة ورؤية في أعماله، استقالة عاش فتى الشاشة الأول الحياة التي أرادها بين السينما التي يحقق فيها أحلامه، وعمله في أستوديو مصر الذي ازداد نجاحه فيه بشكل كبير، لكن عمله هذا بات يحرجه كممثل، فهو منافس لمعظم فناني عصره، بالتالي كيف سيتعامل معهم كمسؤول عن أستوديو مصر. صحيح أنه كان يتقاضى مكافأة بين 800 و900 جنيه عن كل فيلم يشارك فيه، وهو رقم كبير في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، لكن الوضع لم يكن قابلاً للاستمرار بهذه الصورة لفترة أطول. وبينما كان يفكر في الأمر فوجئ باستدعاء من مكتب رئيس بنك مصر محمد رشدي، الذي حدد موعداً معه للنقاش في أمور عدة، وتضمن اللقاء كلاماً فهم حمدي من مضمونه أنه لم يعد ممكناً أن يستمر في أستوديو مصر مع عمله كممثل، وهو الموقف الذي توقعه منذ فترة، لكنه أجّل هذه الخطوة ليس طمعاً في الراتب الذي يحصل عليه من أستوديو مصر، بل لأنه مدين للأستوديو الذي منحه فرصة الاقتراب من السينما. رشدي: أنت يا عماد بقيت مشغول بالتمثيل... وأعتقد أنه لازم تختار بين التمثيل والوظيفة. إذا اخترت أنك تفضل في الوظيفة أكيد هيبقى فيه علاوة تعويض عن تركك التمثيل. عماد: وكام العلاوة يا رشدي بيه؟ رشدي: 10 جنيهات. عماد: أرجوك تقبل استقالتي... لا أستطيع التوقف عن التمثيل. غادر عماد حمدي مكتب رئيس بنك مصر وهو حزين على فراق المكان الذي عشق العمل فيه وأوصله إلى النجاح، ولم يكن الاعتذار مرتبطاً بالعلاوة التي عرضت عليه، فعشرة جنيهات كان مبلغاً كبيراً آنذاك، لكن أجره عن أفلامه بلغ ألف جنيه، ولديه عقود بنحو 5 آلاف جنيه لأفلام لم يبدأ تنفيذها بعد، فقصد أستوديو مصر ومكتبه وسط القاهرة لإلقاء النظرة الأخيرة عليهما كمدير للتوزيع، ووداع الأصدقاء الذين رافقوه في عمله، وحصل على مكافأة نهاية خدمة قدرها 400 جنيه بعدما أنهى إجراءات الاستقالة. بعد الاستقالة، تفرّغ عماد حمدي للتمثيل، فازدهرت مسيرته الفنية. نتيجة لذلك عرض عليه أحد أصدقائه من المنتجين توقيع عقد احتكار معه لمدة طويلة، فرفض رغم محاولات المنتج إقناعه بأن العقد بمثابة تأمين لحياته، وراحة له أكثر في التعامل مع منتج واحد فقط. لم يتحمس فتى الشاشة للعرض واعتذر من صديقه المنتج المعروف، مؤكداً أن التنقل بين البلاتوهات والأعمال المختلفة، يمنحه روح الشباب، فكان قراره أن يبقى حراً يوافق على ما يعجبه ويعتذر عن الأدوار غير المناسبة له. قطار الرحمة تابع حمدي تألقه الفني، وتنقل بين البلاتوهات، ووقف إلى جانب نجمات الصف الأول، تارة أمام مديحة يسري وطوراً أمام فاتن حمامة وغيرهما من نجمات. كان حمدي في قمة ازدهاره عندما اندلعت ثورة 23 يوليو 1952، التي جعلت الفنانين يشاركون في الحياة السياسية عن كثب، فانضمّ إليهم في «قطار الرحمة» للتعريف بأهداف الثورة في المدن المصرية، وكان يفترض أن يقدم الحفلات التي تحييها نجمات الغناء في تلك الفترة في رحلة استغرقت 24 يوماً. كانت المرة الأولى التي يتوجه فيها عماد حمدي إلى الصعيد، منذ تركه برفقة والده قبل أكثر من ثلاثة عقود، فهو لم ينس مولده في سوهاج، وإقامته في أسيوط لمدة عام، وكانت المنازل التي شهدت طفولته أول مكان توجه إليه عندما نزل من القطار. إلا أنه لم يتمكن من معرفة مكان منزل سوهاج الذي ولد فيه، نظراً إلى صغر سنه عندما تركه والده، فسأل عن منزل مهندس السكة الحديد، وعندما عثر عليه توقف أمامه مستعيداً ذكريات الطفولة. كانت الرحلة فرصة لتوطيد علاقة الصداقة بين عماد حمدي والفنانة والمطربة الشابة والصاعدة بسرعة الصاروخ، آنذاك، شادية التي قدمها في الحفلات التي أحيتها، ورغم أن عماد كان متزوجاً من أم ابنه فتحية شريف، لكنه شعر بانجذاب غريب تجاه شادية، ففي كل مرة كان يلتقي بها كان يرغب في الحديث معها، وبادلته شادية الشعور نفسه. لم تكن علاقتهما وليدة لقاءات «قطار الرحمة»، إذ سبق أن اشتركا في فيلم «أزهار وأشواك»، قبل سبع سنوات من رحلة القطار، وفي ثلاثة أفلام قبل الثورة بأشهر قليلة هي: «مشغول بغيري»، «أشكي لمين»، و»سماعة التليفون». صحيح أن زوجته لم تقصر في رعايته أو الاهتمام بابنهما الوحيد نادر، لكن شعوره بالحياة التقليدية المملة زادت انجذابه تجاه دلوعة السينما المصرية، شادية. في الأيام التالية لعودته من قطار الرحمة، توترت علاقة عماد حمدي مع زوجته فتحية شريف، وفي تلك الفترة رشحه صديقه عز الدين ذو الفقار لبطولة فيلمه الجديد «أقوى من الحب». كان يفترض أن يتم تصوير مشاهده في الإسكندرية، ويجسد فيه عماد شخصية ضابط ذراعه مبتورة، يواجه مشكلة في العلاقة مع زوجته الطبيبة (مديحة يسري)، وتنشأ قصة حب بينه وبين فتاة (شادية) تعطف عليه وتتحدث إليه باستمرار، ويبدو أن قصة الحب التي نشأت بينهما في الفيلم بلغت ذروتها في الحقيقة، بعدما أمضى فريق العمل نحو ستة أسابيع في الإسكندرية. بعد عودة فريق العمل إلى القاهرة، لم يكن يتبقى سوى مشاهد محدودة بين شادية وعماد حمدي، صوّرت في إحدى المناطق الريفية القريبة من القاهرة. وفي يوم التصوير، فرض المشهد أن تجلس شادية على شاطئ الترعة تتصيد وتغني، إلا أنها تسقط في الترعة فيسرع إليها عماد حمدي لإنقاذها، ويخرجها ويضع سترته على ملابسها المبللة ليحميها من برد الشتاء. توقف التصوير أياماً بسبب البرد الذي أصاب شادية، وكان عماد حمدي يتصل بها يومياً للاطمئنان على صحتها، ما زاد التقارب بينهما، فكل منهما شعر بأنه عثر على شريكه الآخر. لكن كيف يحدث الارتباط، وعماد متزوج ولديه ابن، بل علاقته طيبة بزوجته، التي بدأت تقرأ في صفحات الفن بالصحف والمجلات عن تقارب غير مسبوق بين شادية وحمدي، وأصبحت قصة حبهما حديث الوسط الفني. لكن عماد تمسك بالنفي مؤكداً أن علاقته بشادية لا تتعدى الزمالة، وهي تصريحات خالفت حقيقة شعوره بطبيعة الحال. طلاق شعر عماد حمدي بتأنيب ضمير تجاه زوجته المخلصة، لكن حبه لشادية كان أقوى، فأخبر زوجته بأنه لم يعد سعيداً في حياته معها، وعليهما الانفصال في هدوء حفاظاً على علاقاتهما الأسرية، وكي ينشأ ابنهما نادر في أجواء سليمة بعيداً عن الخلافات التي تحدث بعد الانفصال عادة. تفهمت زوجته الأمر، وتم الانفصال بهدوء، وبقي نادر مع والدته، فيما حافظ حمدي على زيارته بانتظام للاطمئنان عليه وعلى دراسته. لم يكن القرار سهلاً على فتى الشاشة، فالاستقرار الذي عاشه تبدد أمامه. أحب على زوجته التي أخلصت له وتركت الفن لأجله وتحملت معه سنوات طويلة، لكن لقلبه رأياً آخر، وكان القرار الحاسم بالانفصال في بداية 1953 ليتزوج بعد أشهر من حبيبته شادية، فور الانتهاء من تصوير فيلم «أقوى من الحب»، رغم الفارق العمري الذي يصل إلى أكثر من 26 سنة بينهما. بدأ العروسان حياة زاخرة بالسعادة والحيوية، فسافرا إلى الإسكندرية لقضاء شهر العسل، وكانت قصة حبهما حديث الصحافة الفنية في تلك الفترة، التي وجدت فيها مادة خصبة، خصوصاً أنهما كانا في قمة تألقهما ونجوميتهما، وبدأت الإشاعات وكواليس الزواج تحاصرهما، وتصدرت صورهما وأعمالهما سوياً أغلفة المجلات الفنية والصحف اليومية. عاد العروسان من شهر العسل، وكان في انتظارها التحضير لأعمالهما الفنية، لم يطلب عماد من زوجته اعتزال الفن، بل تأجيل خطوة الإنجاب حتى إشعار آخر، فوافقت شادية رغم رغبتها في أن تكون أماً، لكنها لم تناقشه كثيراً، فهما في بداية حياتهما الزوجية، وفرص الإنجاب ستأتي لا محالة. شعر حمدي بعد عودته من شهر العسل بأن عليه الانطلاق في مرحلة جديدة من حياته الفنية، فهو تزوج الفتاة التي أحبها متغلباً على فارق العمر، واستقال من منصبه في أستوديو مصر ليتفرغ للتمثيل الذي عشقه، وتتصدر أفلامه شباك التذاكر... ذلك كله دفعه إلى إعادة حساباته لتقديم نفسه بشكل جديد، تجنباً لرفض الجمهور له في حال كرر أدواره. استفاد حمدي من خبرته في أستوديو مصر كمدير للإنتاج، ليقتحم مجال الإنتاج السينمائي، فحالته المادية ميسورة، ولديه قدرة على خوض تجربة الإنتاج السينمائي، ولم يجد أفضل من زوجته شادية ليبدأ معها هذه الخطوة، فإعجابه بفنها وثقته بموهبتها، جعلاه يستنتج أنها لم تقدم ما يناسبها، ذلك أن موهبتها أهم وأكبر من الأدوار الخفيفة التي قدمتها، فماذا فعل لها؟ عقدة كسر الإصبع رشح المخرج عز الدين ذو الفقار عماد حمدي ليشارك كلاً من فريد شوقي وسامية جمال بطولة فيلم «الصقر» الذي كان يفترض تصويره بنسختين إحداهما مصرية والأخرى إيطالية، ولكل نسخة أبطالها، وجرى التصوير بين صحراء القاهرة وبلاتوهات روما. كان عماد يطمح إلى الظهور في النسخة الإيطالية ولو بدور صغير، مع أن لديه دوراً رئيساً في النسخة المصرية، فلاحظ أن ممثلاً شاباً، آنذاك، يدعى انزو فيرموتني، أحد أبطال الملاكمة، يشارك في الفيلم، وكان عماد يعتبره ممثلاً ضعيفاً للغاية، إنما اختير للدور لأن الشخصية تتطلب مقاتلة بالسيف وركوب الخيل، بالإضافة إلى أداء مشاهد حركة تتطلب لياقة بدنية عالية يجب تنفيذها من دون الاستعانة بدوبلير رغم قصر مدتها على الشاشة. عرض عماد حمدي على البطل الإيطالي أن يؤدي دوره في النسخة الإيطالية بدلاً منه مقابل أن يحصل هو على الدور نفسه في النسخة المصرية. وافق انزو على فكرة عماد حمدي، فمواعيد التصوير واحدة ولم يستغرق إقناع مخرجي الفيلمين سوى دقائق، لاعجابهما باقتراح عماد الذي صور مشاهده مع المخرج الإيطالي بارتيه، وبدأ التحضير للدور الصغير ككومبارس. جسد عماد شخصية رجل في قبيلة تغير على قبيلة أخرى ويغتصب إحدى فتياتها ويطاردها، وخلال تصوير مشهد الاغتصاب تعلقت أصبع عماد بالملابس الحريرية التي كانت ترتديها الفتاة فما كان منه إلا أن استكمل التصوير وانتزع أصبعه بقوة للانتهاء من المشهد الضخم من دون إعادة، صارخاً من الألم فور انتهاء التصوير. نقل فريق العمل عماد إلى أحد الأطباء الذي شخّص كسراً في أصبعه، ونصحه بألا يحرك يده لمدة أسبوعين حتى يلتئم الكسر. لكن منتجي الفيلم أخبروه بأنهم لا يستطيعون دفع تكاليف علاجه، لأن عقد التأمين لا يشمل تأمين أدوار الكومبارس، بل النجوم وهو في النسخة الإيطالية ضمن الكومبارس وليس الأبطال. التفاصيل في الحلقة المقبلة

مشاركة :