بعد الاتفاقية الأخيرة التي تم بموجبها عودة تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، اعتقد بعض خصوم تركيا أنهم وجدوا الفرصة السانحة لمهاجمتها، واتهامها بالعمالة والخيانة لقضايا العرب والمسلمين وفي مقدمها القضية الفلسطينية. ونقول لهؤلاء المساكين، إن ألاعيبكم مكشوفة، وبكاؤكم على قضايا العرب والمسلمين، باتت دغدغة للمشاعر مفضوحة. فكثير من هؤلاء، بلادهم تقيم علاقات ديبلوماسية وتجارية مع الصهاينة، ولم نجدهم ينتقدوها. وآخرون هم من أكثر من يتاجر بالقضية الفلسطينية، وهم من يتمنى عدم حلها. وآخرون منحازون أصلاً بمواقفهم وتصريحاتهم للجانب الاسرائيلي ضد الفلسطيني، والحروب الأخيرة على قطاع غزة كشفت حقيقة ذلك. ثم إن هناك حقائق لا بد من توضيحها، ومنها أن العلاقات التركية - الإسرائيلية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان وحكم حزب العدالة والتنمية، هي في أسوأ حالاتها، منذ تم تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل في العهد الأتاتوركي. ومن المعلوم أيضاً، أن تركيا قدمت الشهداء من أجل القضية الفلسطينية، حيث استشهد العديد من مواطنيها خلال الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية» والذي انطلق من شواطئها من أجل تقديم المساعدات وفك الحصار عن القطاع المحاصر. ومن المعلوم كذلك، أن من أهم بنود الاتفاق، أن يقدم الصهاينة اعتذاراً لتركيا، وهو عمل لم تفعله إسرائيل لأي دولة عربية من قبل... وأن تدفع إسرائيل أكثر من 20 مليون دولار، تعويضات للمصابين وأسر الشهداء، وهو شيء لم تفعله من قبل... وأن يسمح لتركيا بأن تقدم مساعدات إنسانية وطبية للقطاع عن طريق الموانئ الإسرائيلية، ما يعني في النهاية وصول المساعدات... وأن يسمح لانقرة بأن تبني محطة لتوليد الكهرباء، وأخرى لتحلية المياه. هذه كلها مكاسب ستتحقق لقطاع غزة وللأخوة الفلسطينيين المحاصرين، وهو أكبر إنجاز يمكن تحقيقه في هذه المرحلة مع الأوضاع الأقليمية والعالمية. ثم إن حركة «حماس» شكرت تركيا على موقفها الداعم للقضية، ورئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، كان التقى الرئيس التركي قبل الإعلان عن الاتفاق، وهو مؤشر إلى معرفة مشعل بهذا الاتفاق قبل إعلانه. في الصراعات السياسية والعسكرية والدولية، قد تضطر إلى التنازل عن بعض الأهداف والغايات من أجل الحصول على أخرى قد تفوقها في الأهمية والفائدة، أو تكون هي ما يمكن تحقيقه في هذه الفترة بناء على الإمكانات والقدرات. ومن يقرأ السيرة النبوية، يجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام تنازل عن بعض المكاسب من أجل تحقيق أخرى، كما في صلح الحديبية. وهذا الصحابي عبدالله بن حذافة السهمي، قائد جيش المسلمين في عهد عمر بن الخطاب، يقع في إحدى المعارك أسيراً عند ملك الروم، فيعرض عليه ملك الروم أن يُقبل رأسه من أجل إطلاقه، فيشترط الصحابي أن يُطلق معه كل أسرى المسلمين، فيوافق ملك الروم. فلما رجعوا إلى المدينة قبّل عمر بن الخطاب، رأس السهمي ودعا الأمة إلى ان يفعلوا مثله، ولم يقل أحد أن عبدالله بن حذافة، كان خائناً أو جباناً. كم مات من أطفال غزة حرقاً بسبب إشعال الشموع عوضا عن انقطاع الكهرباء؟ وكم مات من المرضى في القطاع بسبب الحصار وإغلاق المعابر؟ وكم وكم هي المعاناة التي يعيشها الغزاويون؟ ثم يأتي البعض وهو جالس على أريكته، وأمامه ما لذ وطاب من الطعام والشراب، وهو آمن بين زوجته وأولاده ليتحدث عن أهمية مقاومة المحتل وعدم تقديم تنازلات، حتى لو مات المرء جوعا! أيها المُنعّمون كفى تنظيراً، فالنائحة الثكلى ليست كالمُستأجرة، ومن يده في النار ليست كمن هي في الماء. فإما أن تفكّوا الحصار واما تسدّوا مكان الأتراك، واما اكرمونا بصمتكم. Twitter:@abdulaziz2002
مشاركة :