ما موقفك تجاه من قدم لك خدمة أو أسدى لك معروفا أو دلّك على ما يوصلك إلى غايتك؟ الجواب هو نفسه ما تتوقعه من الآخرين إذا بذلت لهم من جهدك واهتمامك. نعم.. فكلنا يسره سماع كلمة شكر على جهد أو معروف قدمناه، ونثمن لصاحبها عرفانه للجميل، لكن قليلا منا الشكور للخير الذي وصل إليه ممن يعيشون معه. الشكر من سمات رقي الذات التي تدرك معنى العرفان والتقدير والاحترام ورد الجميل، وفي الجانب الآخر هناك أنفس لا تعترف بالإحسان، لا لله ولا للناس، وينتهى جحودها إلى حصاد مرّ من الكراهية والتعرض لزوال النعم. والنفس الراقية هي التي تقوم بتحويل التفكير الشاكي الى التفكير الشاكر، فهي لا تنظر إلى الجانب الفارغ من الكوب أو ما هو مفقود من حياتها، وإنما تقدر ما حباها الله به من نعم وفضل. إن الشكر ليس مجرد كلمة ثناء أو استحسان، فحقيقته الاعتراف بالإحسان، والتعبير عن الامتنان قولا وفعلا. الشكر ليس مجرد (إيتيكيت) etiquette، وليس مجاملة مغرقة في التصنع أو التكلف بل هو خلق، وعبادة لها آثارها الكبيرة في حياتنا الروحية و النفسية والصحية والاجتماعية.. روحيا: هو عبادة في ميزان الإسلام قال الله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، وتعدل نصف الإيمان، وسبيل إلى زيادة النعم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} سورة إبراهيم: (7). صحيا: يحقق الشعور بالرضا والتفاؤل، ولدكتور Robert Emmon وفريق البحث في جامعة كاليفورنيا دراسة للفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل، وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض. وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل. نفسيا: الشكر هو مفتاحك لكي تعيش حياة سعيدة، وقد أصبح الشكر علما (science of gratitude)، في دراسات علم النفس الإيجابي، حيث بدأ علماء النفس بدراسة علم الامتنان والشكر وبيان أثره الإيجابي الملموس على حياة الإنسان وصحته وقام عالم النفس الأميركي روبرت إيمونز Robert Emmons بإصدار كتابه الشهير بعنوان «شكرا: كيف يمكن لممارسة الامتنان أن يجعلك أكثر سعادة». اجتماعيا: الشكر من قوى جذب الآخرين التي توصل إليهم رسائل إيجابية تبني علاقات كريمة معهم، وينمي إحساسك بالشعور بالتواصل معهم. تبدأ ممارسة الشكر عند عرفانك للجميل أو المعروف الذي قدم إليك، ومن ثم فتعبر عن ذلك بكلمات معبرة، مثل شكرا لك، أو جزاك الله خيرا. فتتجه بشكرك أولا لله تعالى الذي يسر وصول الخير لك، وتقول (الحمد لله )، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاءه أمر بُشّر به خرّ ساجدا؛ شاكرا لله) [رواه أبو داود]. وعندما يصل إلينا معروف من الناس فقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». ويتبين في الحديث أن الشكر ليس ثناءً أو دعاء فحسب، بل هو عمل تنجزه للآخرين تعبر لهم عن امتنانك لهم ويكافئ المعروف الذي جاءك منهم، وهذا معنى: (فَكَافِئُوهُ). ولعل أكثر الأماكن التي تفتقر إلى ممارسة الشكر هي بيوتنا، فقد يقدّم الفرد منا الشكر لكل الناس، لكنه يضن به مع أهله، وقد يبرر ذلك بأن الشكر في محيط الأسرة ضرب من التكلف، ولو أنصف لقال بل هي لمسة من التلطف. ويأتي الأبوان في مقدمة من نقدم لهم شكرنا بعد الله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]، وكذلك الزوجان عندما يمارس كل منهما الشكر للآخر ويشعره بامتنانه له. ولكي يكتسب أطفالنا ثقافة الشكر ينبغي أن يروا القدوة في مسلك الأبوين في الأسرة، حين يسمعون كلمة (اشكرك) بين أبويهم أو حينما يقدم لهم الأبوان الشكر على إنجاز طيب قاموا به. «شكراً».. كلمة يسيرة لكنها تكسبنا رضا الله ثم رضا الناس، فلنعلمها لأولادنا ونعززها في سلوكياتنا وحياتنا اليومية.. أخيرا أذكّر بأن القرآن الكريم يتوجه إلى أولئك الذين أمسكوا بخيوط الهداية في شهر رمضان الذي كاد أن ينقضي، يوصيهم باستشعار جلال هذه النعمة ليجعلوا العيد يوم شكر يكبرون الله فيه على ما هداهم، فقال تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.
مشاركة :