ليس هناك من أمر مستغرب فجميع الدلائل تشير إلى وجود أزمة حقيقية للسينما العربية حيث تؤكد الدراسات والندوات باختفاء دور السينما النهضوي والذي من شأنه أن يقدم للمشاهد العربي والعالمي سينما حقيقية تغذي الشاشة العربية التي أصبحت فقيرة لا تفصح عن أي طابع تنويري, لأن واقعها أصلا يتيم وحالتها راكدة , ولم تعد تلك السينما العربية الحالمة التي عرفناها حتى عهد الثمانينات الميلادية , والهوة قد تكون كبيرة جدا , فلم يعد إيجاد ممثل جاد يحمل روح الممثل الخبير هو السبب فقط , بل إن العملية تكاد تكون مشتركة بين الممثل والمنتج والنص والاستديوهات التصويرية حتى إيجاد قاعات عرض مناسبة , وللأسف كل واحد يلقي التهمة على الآخر . إن من مسببات أزمة السينما العربية عدم وجود النص الملائم للعرض السينمائي فلم يعد النص السينمائي يتكئ على نص يحمل ذهنية المتلقي الناقد والمتذوق , أو أنه يرصد واقع الحالة العربية حيث اتجه النص إلى كوميديا هزيلة يقوم على ممثلين شباب شعارهم «من يضحك أكثر يجد جمهورا أكثر» وهذا – مما لايدع مجالا للشك - أوجد لنا سينما غير جاذبة أو صادمة في تلقي المادة المعروضة في الفيلم السينمائي. وبطبيعة الحال فإن المنتج الذي سيبذل الأموال على فيلمه المختار يعتمد أولا على نضوج النص على اعتبار أنه هو الأيقونة الأولى التي ينطلق منها جودة الفيلم ,. وكلنا يعلم أن النص الروائي ممكن تجسيده في السينما العربية سيما أن الرواية العربية أخذت موقعا مميزا , وأصبحت تمثل واقعا عربيا مكشوفا ومخفيا أيضا , لكن تبقى وجهة نظر المنتج والمخرج اللذين يبتعدان عن مثل هذه النصوص الأدبية لأنها لاتدر عليهما أرباحا كما في الأفلام الجاهزة والتي تشغل المشاهد بالضحك السامج وبالرقص والغناء. السينما العربية لايمكن أن تخلق سوقا رائجة عالميا إذا لم تسعَ أولا لإيجاد سوق محلية ولن يكون لها ذلك إلا بالإنصات للحركة النقدية المصاحبة لمعظم الأفلام , فالحركة النقدية موجودة وإن كانت على استحياء إلا أنها تمثل قيمة فنية بإمكان المنتجين والمخرجين وكتاب السيناريو وحتى أصغر ممثل في العمل الاستفادة منها لكن من الواضح أن هناك تعالا كبيرا على النقاد واستغفال للرؤية الاستقرائية التي يقدمها المشاهد العادي , يتضح ذلك في أن الأفلام لم تتغير في السنوات الأخيرة وأصبحت تحمل نمطا معينا معروفا لدى المشاهد العربي . ماهو الحل الذي بإمكانه إيجاد سينما حقيقية في الوطن العربي ؟ أعتقد أن تكثيف المهرجانات السينمائية من شأنه النهوض بالمستوى السينمائي من منطلق أن مثل هذه المهرجانات توجد نوع من تبادل الخبرات والأفكار على مستوى النص والإخراج ,. كما أن الاهتمام بورش العمل لكتابة السيناريست, والاهتمام بقاعات السينما العربية وجعلها أكثر جاذبية , وإيجاد استديوهات تصوير متطورة ,. وموارد إنتاجية للعمل كل ذلك يخلق تفاؤلا للنهوض بالسينما العربية وتخفيف الأزمة الحالية والمتمثلة في غياب دور السينما التنويري والنهضوي حتى في البلدان المعروفة بإنتاجها الفن السابع كمصر ولبنان والمغرب , لأن السينما هي الصوت الحر الذي تتباهى به الأمم وتفتخر به . - طاهر الزارعي
مشاركة :