خطوة جلالة الملك بتشكيل والإشراف على مجلس السياسات الاقتصادية هي خطوة استباقية وعلاجية سلطت الأضواء على الحاجة الماسة لاستنهاض الهمم وللكشف عن خطط التطوير الإنشائية أو المركونة في الأدراج لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين، وتحسين مستوى معيشتهم كأحد أهداف التنمية الأساسية، وهي بمثابة تسليم طرف الخيط لمجلس يضم نخبة من السياسيين والاقتصاديين وضبطت لهم البوصلة لما يمكن البناء والسير عليه والوصول إليه، وتبقى مهمة التنفيذ منوطة بمستوى هممهم ومدى تعاون الحكومة والاستفادة من إبداع ومساهمة القطاع الخاص، الذي يملك الحق بالمشاركة برسم السياسات الاقتصادية وعليه واجب المساهمة بمحاربة آفة الفقر والبطالة، على اعتبار أن التنمية لا تحلق إلا بتشاركية جناحيها القطاع العام والقطاع الخاص. من المؤسف أن هذه المقولة الاقتصادية وإلى ما قبل تشكيلة المجلس الأخيرة، بقيت في بلدنا شعاراً وقولاً مرسلاً وترجمت بغير معناها الحقيقي ومدلولها الاقتصادي، فقد جرى تأطيرها في تشريعات وقوانين لم تقدم شيئاً لهذه الشراكة، بل بالعكس أصدرت قانوناً وأطلقت عليه قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص رقم 31 لسنة 2014، وهذا القانون لا يحمل مدلول مسماه، فهو اسم على غير مسمى. فبعد قراءة متأينة للقانون نجد أن غاياته هو تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال تنظيم العقود بين القطاع العام والقطاع والخاص، المبرمة للمشاركة في مشاريع البنية التحتية وتأهيلها وصيانتها والاستعانة برؤوس أموال الشركات لتمويل المشاريع الحكومية من خلال عقود الـ BOT والامتياز وغيرها. إلا أن نصوص القانون لم تعكس هذه الغايات ولم تسعى لأي شراكة أو لتقاسم الرؤى والتخطيط أو المشاركة في القرارات. فقد نصت المادة 5/أ من قانون الشراكة المشار إليه على تشكيل (مجلس الشراكة بين القطاع العام والخاص)، إلا أن القانون وفي تجسيد لتوجه وتأكيد عدم الشراكة مع القطاع العام والخاص، تجاهل غرف التجارة والصناعة ونقابة المقاولين وجمعية رجال الأعمال، وأصر على عدم إدخال أي شخصية من القطاع الخاص في المجلس، حيث احتكر القطاع العام جميع مقاعده وشغلها أربعة وزراء ومدير البنك المركزي، وحرم مجلس الشراكة حتى من ضابط اتصال مع القطاع الخاص، فبالله عليكم كيف تكون الشراكة بين جناحين يكون فيه القطاع الخاص مكسور الجناح. قانون الشراكة قانون منزوع الدسم، وهو يستقر على مائدة عمل مجلس السياسات الاقتصادية، وعلى المجلس تعديله كأول افتتاحية لعمل المجلس -الذي لا نملك إلا أن نعلق عليه آمالنا - لاستكمال مستلزمات عمله في الجانب التشريعي، قبل أن يقلع في فضاء الإنقاذ لاستجلاب الدواء الناجع الذي نرجو أن يعود به المجلس لاقتصادنا المعلول.
مشاركة :