في هذا الشهر المبارك الذي يتجه المسلمون إلى ربهم، ويتعبدون لله بأنواع القربات طلبًا لنفحات المولى الكريم، واستجابة لنداء الرب الرحيم، وتأسيًا بالقدوة والأسوة، يطل علينا حملة الفكر المتطرف في تصرفٍ يضاف إلى السجل الأسود المليء بالجرائم والعظائم، ولكن بصورة تهز المجتمع، ويعجز اللسان عن وصفها، وتقف الكلمة قاصرة عن تصوير بشاعتها، صورة مأساوية لا يصدق المرء أننا سندركها، فعلاوة على ما قاموا ويقومون به من خدمة لأعداء الدين والوطن في استهداف بلادنا الغالية، وتسميم عقول الشباب، واختطافهم في أفكار الغلو والتكفير والتفجير ليتحولوا أدوات لهذه التنظيمات، يخدمون أجندات دول وقوى ترى في استهداف هذه البلاد ووحدتها وثوابتها وقيادتها هدفًا لها، ومرورًا بالتحولات التي مر بها هذا الفكر عبر الأحزاب والجماعات التي تغذي هذه الفتن والأحداث، وتلبس لكل مرحلة لبوسها، وتطور من أساليب التجنيد والتحريض لتكون كافية في اختطاف الشباب، واجتذابهم إلى مناطق الصراع، وانتهاء بهذه العمليات التي باتوا ينفذون فيها مآرب شياطين الإنس والجن، ويفون ببيعتهم لقيادات تلك الجماعات بما يقومون به من أعمال إفسادية يتبعون بها كل وسيلة، ويستخدمون أقرب الطرق والأدوات والتقنيات التي تحقق هدفهم، وكلما مكّن الله من جماعة منهم يظهر آخرون في تداعيات تظهر قوة الاستهداف، وعظم الخطر، وضخامة المسؤولية، وضرورة تطوير المواجهة لهذه التصرفات لتتجاوز ردود الأفعال، ومواقف العموميات إلى خطابٍ تخصيصي يجيب على الشبهة، ويكشف الخطر، ويعري الفكر وشبهاته وأدواته ومنظريه ومن يقف وراءه من دعاة الفتنة والتحريض، وها نحن في هذا الشهر الكريم وفي قرب عشره الأخيرة نستيقظ على فاجعة تهز الوطن وتنكأ الجراح وتحير العقول وتدع الحليم حيرانًا، في جريمة لا يمكن وصفها إلا أنها بلغت الغاية في الوحشية والهمجية والبربرية، والذروة في العقوق والقطيعة، وفي تصرف لم يبلغه الخوارج الأوائل، يقدم الأبناء على نحر كل معنى للبر والفضل والإحسان، ويوجهون أدواتهم لمن كانوا سببًا بعد الله في وجودهم، وإن ما حصل هو امتدادٌ لأعمالهم السابقة، واستمرار لمسلسل الفساد والإفساد، ولكن في صورة تقاطعت فيها أسباب وتداخلات تستوجب الدراسة المعمقة لأسباب هذه الظاهرة في تحولاتها الجديدة ومعرفة أبعادها المختلفة وصولاً إلى معالجة شمولية. ومن المسؤولية المؤكدة لتحجيم هذا الخطر التركيز على الأبعاد الوقائية والمعالجة المبكرة عند ظهور بوادر الخطر، فمما لا شك فيه أن هؤلاء القتلة المجرمين الذين تأصَّل الإجرام في نفوسهم، وفسدت ذائقتهم الإنسانية، وتحولوا إلى وحوش ضارية، كانوا في المراحل السابقة يحملون مؤشرات ودلالات تؤكد قربهم من هذا التحول الخطير، ولكن لم يكن هناك وعي بكيفية التعامل معهم من جهة، وكان التساهل وإحسان الظن والتفريط فيما يجب سببًا في نمو هذه الأفكار حتى وصلت إلى مراحلها المستعصية، فالانعزال الكامل مع شبكات التواصل، ولغة النقد الجارح والجرأة على إطلاق أوصاف الفسق والكفر وغيرها، وتهوين شأن الولاية الشرعية، وقبول الطعن في ولاة الأمر والعلماء، وإساءة الظن في كل ما يصدر عن الدولة في قائمة من المؤشرات التي هي أعراض لمرض خطير، وداء عضال كانت تنتظر معالجة قبل أن تستفحل، وتكاتفًا من كافة شرائح المجتمع لمنع هذا الخطر قبل وقوعه، ومن هنا فإن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، وقد مرت أحداث كافية في أن نتجاوز في خطابنا الوعظ العام، والمواقف الضبابية إلى عمل دائب، وجهد متواصل، وتكامل بين التخصصات المختلفة، الشرعية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، لتفسير هذا التحول تفسيرًا علميًا، ووضع خطوات العلاج بهذه الرؤية التكاملية، والخطر عظيم، والمسؤولية تضاعفت، والواجب أن نصدق مع الله، وننصح لديننا وطننا وولاة أمرنا، ونراجع مواقفنا ومعالجاتنا في ضوء ما استجد من أعمال، وأن يكون هذا الشأن شغلنا الشاغل، حتى ندرأ الخطر ونحمي شبابنا، ونفشل خطط من أراد بوطننا سوءًا والله المستعان. غفر الله للمغدورين، وشفى المصابين، ومكّن من المجرمين، وأتمّ على بلادنا أمنها وأمانها، وحفظ لنا قيادتنا وعلمائنا من كل سوء ومكروه، إنه سميع مجيب. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية والأستاذ في المعهد العالي للقضاء، عضو لجان المناصحة.
مشاركة :