اكتشف العلماء منشأ أكثر كائن حي «يعاني العزلة» على وجه الأرض. فهناك أحد أنواع الأسماك الصغيرة في وضع لا يُحسد عليه، مقارنة بسواه من الأنواع الحيوية المسجلة. فذلك النوع الذي تُعرف الواحدة من أسماكه بسمكة «وكر الشياطين البطحيشية» والذي ينتمي إلى «فصيلة البَجْن»، يعيش في قلب صحراء موهافي الأميركية، أي في إحدى أكثر البقاع جفافاً على الأرض. ولا يتجاوز طول السمكة سنتيمترين ونصف السنتيمتر، وقد يقل عدد الأسماك التي تعيش في ذلك المكان عن 50. ومما يلفت الانتباه أن كل هذه الأسماك وُجِدَت في البرّية في منطقة ضيقة جداً منذ أن ظهرت للمرة الأولى قبل آلاف السنين. ومن شأن ذلك كله، جعل أسماك «وكر الشياطين» الأكثر ندرة وانعزالاً بين كل الكائنات. والآن، يعتقد العلماء أنهم اكتشفوا المكان الذي جاء منه هذا النوع الحيوي. فالأسماك تعيش في كهف كبير يُعرف بـ «وكر الشياطين» في ولاية نيفادا الأميركية. ورغم أن الكهف مفتوح، فإن المياه الموجودة داخله لا تتصل بأي مصدر. ففي أسفل مدخل الكهف بركة مياه تشكل موطناً لهذه للأسماك. وعند أحد أطراف البركة، رصيف صغير من الحجر الجيري يشكل المكان الوحيد الذي يتاح فيه لتلك الأسماك أن تتغذى وتتكاثر. ونتيجة لذلك، فإن النطاق الجغرافي لهذا النوع من الأسماك هو الأصغر مساحة بالنسبة إلى الكائنات الفقرية. إلى ذلك، ينجح هذا السمك في البقاء حياً رغم مواجهته ظروفاً قاسية، منها ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستوى الأوكسيجين، إلى جانب التغيرات التي يشهدها منسوب المياه بين حين وآخر. وثمة سؤال يتناول الطريقة التي أتت من خلالها تلك الأسماك للعيش في «وكر الشياطين». لكنّ شكوكاً أثيرت أخيراً حول التاريخ الفريد الذي تحظى به تلك الأسماك. فالدراسات التي أُجريت حول الطبيعة الجيولوجية للكهف دفعت البعض إلى القول إن هناك احتمالاً لأن يكون الهنود الحمر من سكان أميركا الأصليين، هم من جلبوا تلك الأسماك إلى الكهف في وقت أقرب نسبياً مما يُعتقد.
مشاركة :