عشر سنوات على حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله: هل تندلع حرب جديدة؟

  • 7/7/2016
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

رغم التحولات الكبرى التي عصفت بالمنطقة منذ خوض حزب الله وإسرائيل حربا ضروسا عام 2006، تبقى العداوة بينهما ثابتة لم تتغير. ومع ذلك، فإن مرور عقد كامل من الزمن دون مواجهات واسعة النطاق بين الطرفين يعد مؤشرا إلى ثبات معادلة الردع المتبادل التي استقرت بعد تلك الحرب، وإلى احتمال أن يبقى مفعولها ساريا. في ذلك العام شن حزب الله غارة عبر الحدود قتل خلالها 8 جنود إسرائيليين واختطف اثنين آخرين، وطالب بمفاوضات غير مباشرة تهدف إلى مبادلة سجناء عرب تحتجزهم إسرائيل بهما. وردت إسرائيل بحرب مفتوحة بدأت بحصار بحري وحملة جوية مكثفة. وبعد 33 يوما توقفت الأعمال الحربية بين الطرفين. وقتل في تلك الحرب 1191 شخصا في لبنان، معظمهم من المدنيين، بينما قتل 121 جنديا إسرائيليا و44 مدنيا. وكان من بين الأهداف التي حددها مسؤولون إسرائيليون للحرب التي شنوها الإفراج غير المشروط عن الجنديين، ونزع سلاح حزب الله، أو على الأقل، إنهاء التهديد الطويل الأمد الذي يمثله لإسرائيل. ولم تحقق إسرائيل أيا من تلك الأهداف، واستمر حزب الله في إطلاق الصواريخ حتى اليوم الأخير من الحرب، فوجدت القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية نفسها في حال من التخبط. أما حزب الله فكان لديه هدف واحد من الغارة التي نفذها، وهو إجبار إسرائيل على إجراء مفاوضات غير مباشرة بهدف الوصول إلى تبادل للأسرى: الأسيرين الإسرائيليين (ولم يحدد حزب الله إن كانا قد قتلا في الغارة) مقابل أسرى عرب لدى إسرائيل. وفي عام 2008 تحقق له ذلك، وأفرجت إسرائيل عن 5 سجناء لبنانيين، إضافة إلى بقايا جثامين 199 مقاتلا لبنانيا وفلسطينيا، مقابل جثتي العسكريين الإسرائيليين. وإذا اعتمدنا الأهداف الحربية معيارا للنصر والهزيمة، يمكننا الاستنتاج بأن حزب الله انتصر في تلك الحرب، وبأن إسرائيل هزمت. غير أن حجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل بلبنان شكل تحديا أمام خطاب النصر الذي روج له حزب الله. وبالإضافة إلى القتلى والجرحى، هجر ما يقارب المليون شخص منازلهم، ودمر 15000 منزل، 900 معمل، إضافة إلى الطرقات والجسور وأجزاء من مطار بيروت الدولي وغير ذلك من البنى التحتية. وقد عانى المدنيون في مناطق يتمتع فيها حزب الله بالتأييد الشعبي أكثر من غيرهم من الحرب، وبعد أن انتهت قال أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، إنه لو علم حجم الرد الإسرائيلي لما أمر عناصر الحزب بالقيام بالعملية ضد الجيش الإسرائيلي. وقد بنت إسرائيل استراتيجية للردع أطلق عليها اسم "عقيدة الضاحية"، مستوحاة من تدمير سلاح الجو الإسرائيلي لأجزاء من ضاحية بيروت الجنوبية. وكشف عنها عام 2008 جنرال في الجيش الاسرائيلي، هو غادي ايتزنكوت، الذي كان رئيسا للقيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، وأصبح الآن قائد أركان الجيش. فقد قال ايتزينكوت إن ما حدث في الضاحية الجنوبية لبيروت سيتكرر "في كل بلدة تطلق منها طلقات باتجاه إسرائيل." وأضاف: "سنستخدم القوة غير المتكافئة ضدهم، وسنتسبب في دمار هائل. بالنسبة إلينا، هذه قواعد عسكرية. ليس هذا اقتراحا، بل خطة تمت الموافقة عليها." وهكذا استقرت معادلة الردع المتبادل بعد حرب عام 2006، ومنعت اندلاع حرب شاملة جديدة، ثم مر عقد من الهدوء النسبي تخللته بعض الاشتباكات المحدودة. غير أن حربا أخرى اندلعت في تلك الأثناء، في سوريا. وسارع حزب الله، في وقت مبكر من الحرب، إلى إرسال مقاتلين له عبر الحدود للقتال دفاعا عن النظام السوري. في البداية كان الموضوع محصورا في بعض العتبات المقدسة للشيعة في دمشق، وبعض القرى الحدودية، لكن بعد فترة قصيرة أصبح حزب الله يقاتل في أقصى الجنوب وأقصى الشمال. وتطور خطابهم فيما يتعلق بتبرير انخراطهم في سوريا، لكن ما يطغى عليه هو اعتبارهم أن سوريا تشكل "العمود الفقري للمقاومة"، وأن المتاعب التي يواجهها النظام تهدف أساسا إلى إضعاف حزب الله من خلال حرمانه من أبرز حليف له بعد إيران، حليف وفر له دعما لوجتسيا ساهم في تمكينه من تسجيل انتصارات في وجه الجيش الإسرائيلي الذي يفوقه بأشواط قوة. وليست الحرب في سوريا، وفقا لخطاب حزب الله سوى استمرار لحرب 2006، والأمريكيون والإسرائيليون والسعوديون يريدون الإجهاز على "محور المقاومة" من خلال تدمير النظام السوري، الذي يربط أركانه بعضها بالبعض الآخر.حرب جديدة وفي سوريا يواجه حزب الله أعداء أكثر شبها به من عدوه التقليدي إسرائيل: مقاتلون غير نظاميين يشنون حربا غير نظامية على جيش نظامي. لكن لم يعد مقاتلو حزب الله في سوريا هم الطرف الأضعف. فبحلفهم مع الجيش النظامي، أصبحوا هم من يحاصر العدو ويقاتل بغطاء جوي، سوري في البداية، ثم روسي في كثير من الأحيان. قد يقول البعض إنهم يستفيدون حتى من الضربات الجوية الأمريكية في سوريا ضد بعض أعدائهم، كجبهة النصرة مثلا، فرع تنظيم القاعدة في سوريا. غير أنهم الآن يواجهون تهديدات من نوع آخر. فهم يقاتلون على مساحة شاسعة تفوق مساحة جنوب لبنان بأضعاف، كما أنهم يقاتلون دون الاستفادة من الدعم المحلي الذي يحظون به في معاقلهم في لبنان. وقد استنزف حزب الله الجيش الإسرائيلي في الجنوب على مدى ما يقارب عقدين من الزمان، وباستنزافه تمكن من دحره في الجنوب. أما الآن فحزب الله معرض هو نفسه إلى أن يستنزف في سوريا. فهل هذه هي يا ترى لحظة ضعفه، وفرصة إسرائيل للانقضاض عليه؟ يبدو أن هذه الإمكانية دفعت أمينه العام حسن نصرالله إلى الحديث عن استراتيجية ردع خاصة به. ففي خطاب له في فبراير/شباط من هذا العام، تحدث عن مخاوف إسرائيل من قدرة حزب الله على ضرب حاويات تحتوي على 15 ألف طن من مادة الأمونيا في حيفا، وقد يؤدي هذا إلى مقتل عشرات الآلاف من الإسرائيليين. وقال: "بضعة صواريخ من صواريخنا، زائد حاويات الأمونيا في حيفا، نتيجتها تماثل نتيجة قنبلة نووية." وبعد حوالي شهر، قال نصر الله إن حزب الله يمتلك لائحة كاملة بالمعامل البتركيمائية ومراكز الأبحاث البيولوجية والمفاعلات النووية وحاويات الرؤوس الحربية النووية الإسرائيلية، مع إحداثيات دقيقة عن مكان وجودها. وأضاف: "أي حرب على لبنان تستهدف شعب لبنان وبنيته التحتية، نحن سنخوض هذه الحرب بلا سقف وبلا حدود وبلا خطوط حمراء." ويدرك نصرالله أن قاعدة حزب الله الشعبية التي باتت تشعر أكثر وأكثر بكلفة انخراط الحزب في حرب سوريا ليست متعطشة لمواجهة أخرى في نفس الوقت مع إسرائيل. وهو بالتالي حرص على التشديد على عنصر الردع في خطابه. فقال في نفس المقابلة: "نحن نتحدث عن حرب نحن ندافع فيها عن بلدنا وشعبنا وأهلنا، يعني نحن معتدى علينا. إذا الإسرائيلي يقول إنه سيضرب مدنا ويدمر أحياء ويشرد، ويرد لبنان 50 سنة إلى الخلف، وأحدهم قال 300 سنة، فنحن في المقابل نقول له نحن لسنا ضعافا." Image copyright AP Image caption حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله استمرت نحو 50 يوما لكن هل فعلا وصلت قدرات حزب الله العسكرية إلى درجة يستطيع معها أن يؤذي إسرائيل أكثر مما تستطيع هي أن تؤذي لبنان؟ يبدو أن هذا ما يوحي به كلام نصرالله، لكن من الواضح أيضا أنه يبذل كل ما في وسعه لتجنب الحرب مع إسرائيل الآن. ويعتقد البعض في إسرائيل أنه من الأفضل للإسرائيليين أن يراقبوا الموقف في سوريا ويمتنعوا عن شن حرب على حزب الله الآن. وقال نائب قائد الأركان الإسرائيلي وقائد المنطقة الشمالية، يائير غولان، إن على إسرائيل ألا تسارع إلى حرب استباقية على حزب الله. وأضاف خلال خطاب له في جامعة بار إيلان في مارس/آذار الماضي إن إسرائيل اعتبرت طوال عقود أن سوريا تشكل الخطر المركزي الأكبر بالنسبة إليها، إلى أن زال الخطر وحده، بعد أن "استخدم النظام سلاحه وسحق قواته في الحرب ضد مواطنيه." وربما يأمل الإسرائيليون في أن يتبدد بدوره تهديد حزب الله لهم، وأن يُستنزف حزب الله في سوريا بعيدا عن خطوط المواجهة مع إسرائيل.

مشاركة :