ليس هناك من شك في أن الأمية الديمقراطية هي السبب الرئيسي في فساد الحياة السياسية في ليبيا، مما تسبب في ممارسة خاطئة عن قصد وعن جهل من قبل الأحزاب الكرتونية التي ظهرت فجأة في البلاد قبل كتابة الدستور، من دون وجود أي قانون منظم لها ولا جهة رقابية فاعلة، تستطيع مراقبة تمويلها مما يجعلها في دائرة الاتهام، طالما لا يوجد مؤشر حقيقي وجهة رقابية قادرة على اثبات العكس، ولكن إصرار البعض على ممارسة الديمقراطية في ظل أمية ساحقة من خلال أحزاب ليس لها تمثيل حقيقي يذكر، وأحيانا بعض أفرادها لا يتجاوز العشرات، ولهذا لا يمكن أن تكون ممثلا حقيقيا للشعب وهي لا تكاد تمثل 10% منه في أحسن أحوالها، وأنها ليست سوى إحدى آليات الديمقراطية المتنوعة وقد تصح ممارستها بدونها. ولهذا تصبح الديمقراطية التوافقية الخالية من الأحزاب، وكتابة وثيقة وطنية أشبه بالوثيقة البريطانية (Magna Carta) مع التعديل، هي الحل الناجع، في ظل الأمية الديمقراطية لأسباب عديدة ومتنوعة، منها تعاطي البعض معها كبضاعة مستوردة غير قابلة للتصدير أو التطويع المجتمعي، والتعامل معها كأنها خاصة بالغرب، مما جعلها عند البعض محل قطيعة في عدم وجود بديل وفي مقابل هيمنة شرسة من ميليشيات، مما فتح الباب أمام انتشار ثقافة الطاعة العمياء، التي يمارسها البعض في اتباع جماعته وإن كانت سائرة في طريق الخطأ الصريح. ولعل أسباب تفشي الأمية الديمقراطية في المجتمع، هو انقطاع التجربة لسنين عجاف، مما تسبب في ظهور حالات كاستخدامها وسيلة للوصول للسلطة، وهذا حدث بالفعل عندما خسر البعض الانتخابات البرلمانية، ثم انقلبوا عليها واحتكموا للسلاح وسياسة وضع اليد على العاصمة طرابلس، حتى قبل حكم المحكمة العليا والدائرة الدستورية، قميص عثمان الذي تمسكوا به، وعاثوا في مؤسسات الدولة فسادًا، ومنها مطار العاصمة وخزانات النفط. في ليبيا الحالية يمكن أن تتحقق الديمقراطية التوافقية من خلال (الليوجيركا) التي هي اجتماع موسع يضم القبائل (المكون المجتمعي الحقيقي) ووجهاء المجتمع وعلماء الدين ورجال سياسة وأساتذة جامعات ومفكرين، في اجتماع أشبه باجتماع مصالحة عامة، للخروج من مأزق الفراغ التشريعي والدستوري، بعد عجز الحراك السياسي عن الخروج بالبلاد من مستنقع الخلافات والتناطح الحزبي والفئوى والفشل في ممارسة الديمقراطية، نظرًا للأمية الديمقراطية، وضعف حجم انتشار الثقافة الديمقراطية بمفهومها الصحيح، ولهذا قد تكون الديمقراطية التوافقية من خلال اجتماع الليوجيركا بالنسخة الليبية، هي الأقرب للحالة الليبية والأنفع في ظل عجز (النخب) الحزبية المؤدلجة وغير المؤدلجة، بالنهوض بالبلاد من مستنقع الفوضى والعنف، بسبب الخطاب والصراع الحزبي، وكونهم يخدمون أهدافهم ومخططاتهم الخاصة، والتي كتبت أجندتها خارج الوطن، ولصالح من لا ينتمون إليه بأي شكل من أشكال الهوية. ليبيا اليوم في حالة تصحر سياسي كتصحرها الجغرافي بسبب (النخبة) التي جلها ضمن حزب الكنبة وموقف المتفرج على ما يحدث فوق تراب هذا البلد، والاكتفاء بالصمت مع قليل من الثرثرة أحيانا تستثمرها لتحقيق مكاسب فئوية خاصة تجعل منها رهينة للعبودية المختارة. ولهذا تعتبر الحاجة إلي وثيقة وطنية تحرر الفرد قبل الوطن وتعتبر بمثابة إعلان تحرر من الطاعة العمياء التي أشرت إليها، والتي يمارسها بعض شركاء الوطن، سواء لإرضاء نخبه أو لأجل كسب المال والمناصب، التي انتقلت من انحصارها بين رجال الخيمة إلى رجال الجماعة أو الحزب. في ظل هذا التخبط والفوضى وعدم النضوج السياسي، تستوجب المصلحة العامة أن يكون الوطن خارج تغطية فوضى التجاذبات النفعية الخاصة، فتلك انتهازية واستبداد حزبي، سيفتك بالبلاد والعباد. عن الشرق الأوسط
مشاركة :