الفساد العظيم قول في الدين بلا علم | عبدالله فراج الشريف

  • 7/8/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

إنَّ العلم بالدِّين منه ما هو فرض عين على العبد، لا يُعذر بترك طلبه والحصول عليه؛ ممَّا يستقيم به عمله لله، بحيث يؤدّي ما أوجب الله، وينتهي عمّا نهاه عنه، إلاَّ ما كان من دقائق العلم التي لا يصل إليها عامّة الناس إلاَّ بتفرغ تام لطلبها على أيدي مَن يعلّمونها من العلماء الذين أمضوا العمر كله ليعرفوا في علم الدِّين كل مسائله، وما أمكنهم ذلك، ليكونوا هداة لباقي المسلمين فيها، وهم ما أشار الله إليهم بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، وأشار إليهم بقوله: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، وليس لأحد أن يخوض في علم الدين بلا علم مسبق تعلمه واستوعبه وعُرف به، فالله عز وجل يقول: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)، فسبق العمل بالاستغفار العلم بالتوحيد أولاً، فلا عمل بلا علم، وكل عمل بلا علم لا شك أنه باطل، وربنا يقول (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)، فعلمك بأنَّه لا إله إلاَّ الله استوجب منك العبادة الخاصة له، ومنها الصلاة، ولذا بوَّب الإمام البخاري صحيحه للآية الكريمة (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) بعنوان هو (باب العلم قبل القول والعمل)، فليس لأحد أن يفتى ويخوض في أمر الدين بلا علم، لذلك حذّر ربنا من ذلك فقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وقال عز وجل (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)، وقال: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)، وحذر فقال: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، ومن تحدّث بلا علم في الدين اتبع الهوى، والهوى يضل صاحبه عن الحق فربنا عز وجل يرشدنا إلى ذلك فيقول: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، ويقول (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)، والذين يعلمون وحدهم هم من يُرجع إليهم في علم الدِّين إذا هم من قضوا الأعمار في تحصيله، فإذا انضم إلى ذلك صلاحهم الظاهر، ووثوق الناس بعلمهم بمختلف طبقاتهم، لذلك جاء في الحديث الصحيح عن سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنَّ اللهَ لاَ يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ مِن العبادِ ولكنْ يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ حتَّى إذَا لمْ يُبقِ عالمًا اتَّخذَ الناسُ رؤوسًا جهَّالاً فضلُّوا وأضلُّوا) ولعل بوادر هذا الزمان الذي يقبض فيه العلم قد بدأت، حيث أصبح كثير من الناس يتصدَّر المجالس وتهتم وسائل الإعلام لما يقول، فيفتي في أمور الدِّين بلا سابقة لعلم عُرفت عنه، ولا حصَّله بطرقه المشروعة، ولم يتخصَّص في علومه، فأخذ يحلّل ويحرّم بمجرد رأيه، ولا دليل له سواه، حتى ازدحمت الصحف اليوم، وصفحات الإنترنت بهؤلاء الذين يحلّلون ويحرّمون بلا دليل ويقولون على الله بلا علم، ودون خشية من الله، ولا خوف منه، وإنّما يتبعون أهواءهم إن لم أقل شهواتهم، ممّا لا يستطيعون الصبر عنه من المحرّمات، زعموا ألاّ دليل يحرمه، ومرّة يقولون لا نتبع إلاَّ القرآن، فالأحاديث جلّها -كما يزعمون- موضوعة، وهم لا يعرفون الموضوع، والضعيف، أو الصحيح، وإنما هي حجّة لقنوها، وكثير منهم ينقل من أقوال المستشرقين الذين أرادوا تشويه الدِّين، ونبيّ الله، فرصدوا في كتبهم شُبهًا سقطت منذ أزمان، وهم اليوم يحيونها ويضمّون إليها كل قول باطل لم يقم عليه دليل إلاَّ ما ينادون به، ردّهم الله إلى دينهم عبادًا لله صالحين، وصرفهم عمّا هم فيه من الباطل، إنّه ولي ذلك والقادر عليه. alshareef_a2005@yahoo.com

مشاركة :