في أحياء فرنسية مكتظة بالمهاجرين، وبعيداً من صخب الملاعب المشغولة اليوم ببطولة أوروبا لكرة القدم، يواظب كثيرون من هواة هذه اللعبة التدريب ضمن أنديتهم المحلية، ومنهم من يحلم أن يكون يوماً ما لاعباً في صفوف المنتخب الفرنسي. لكنّ عوامل كثيرة تحول دون أن تصبح هذه الأحلام واقعاً، وهذه العوامل هي التي راح الوثائقي التلفزيوني «أكثر من كرة قدم» يبحث عنها عبر جولاته في الأحياء الفقيرة ومقابلة لاعبين موهوبين، بعضهم يطمح إلى الاحتراف وبعضهم الآخر يكتفي باللعب كهواة مثل ملايين البشر. ولكن حتى في هذا المجال تواجههم صعوبات منبعها التمييز والعنصرية، التي راحت تتسرّب إلى الملاعب الفرنسية لتُشكل ظاهرة كان لا بد للوثائقي من رصدها وعرضها كجزء من المشهد الكروي العام الذي يعكس بدرجة كبيرة الواقع الفرنسي. في «سان دوني»، يقابل أحد معدي برنامج «مراسلون» السويدي الصبي الكاميروني كارنوت كاكوم، الذي جاء قبل سنوات قليلة إلى فرنسا كمهاجر طامحاً بأن يصبح لاعباً محترفاً في ناديها الوطني. «النادي يمثل كل شيء لي هنا. اللاعبون الأجانب هم إخوتي والعاملون فيه مثل عائلتي». رحلة كاكوم البالغ من العمر 17 إلى فرنسا توضح جانباً من شخصيته وإصراره على أن يكون لاعباً مشهوراً. في سن الـ13 ذهب إلى جنوب أفريقيا لدراسة كرة القدم وتعلّم فنونها في إحدى مدارسها، لكنه لم يوفق في إكمالها لأسباب اقتصادية فتركها وقرر المضي في رحلته إلى فرنسا مهاجراً وحيداً. يقول: «كل تركيزي منصب الآن على كرة القدم. وعلى رغم ما أسمعه من كلام عنصري، فأنا مصرّ على المواصلة مستعيناً بوصية لاعب المنتخب الفرنسي الشهير ليليان تورام (على غير الأبيض أن يبذل أربعة أضعاف ما يبذله ابن البلد حتى يُقبل كلاعب محترف في أنديتها)». إمبراطور خط الدفاع وأثناء مقابلته البرنامج قال كلاماً مؤثراً: «يمكن صبياً موهوباً ولد في ريو دي جانيرو أن يصبح أعظم لاعب كرة قدم في العالم، ولكن أن تكون من «مناطق المشاكل» في فرنسا ففرصتك للاحتراف قليلة، ربما أقل من فرصة مهاجر بأن يصبح يوماً ما رئيساً للحكومة الفرنسية». هاجر، فتاة تونسية مسلمة محجبة تهوى كرة القدم وتشعر بالسعادة حين تلعبها مع بقية زميلاتها، قالت: «ينتابني شعور بالسعادة حين أتحرك وسط الملعب وبخاصة حين أسجل هدفاً». لا تفكر هاجر باحتراف اللعبة. تريد إكمال دراستها وفي الوقت عينه المشاركة في الأندية المحلية. ولكونها المحجبة الوحيدة في فريقها، وجه البرنامج إليها سؤالاً حول منع الحجاب في المدارس الفرنسية والجدل الدائر حول منعه داخل الملاعب، على اعتبار أنّ الاتحاد الفرنسي لكرة القدم قام بمنعه رغم قرار الاتحاد الدولي الذي سمح به عام 2014 بشرط عدم تسببه بمشاكل للاعب أو الخصم. فأجابت الشابة هاجر بأنّها ترى في وصول لاعبين عرب ومسلمين كبار إلى منتخب فرنسا تشجيعاً لها ولغيرها، وتقتدي باللاعب زين الدين زيدان، ولا تجد في النقاش الدائر حول ارتداء الحجاب في الملاعب سبباً مقنعاً. «لا أدري لماذا كل هذا النقاش الدائر حول الحجاب. فأنا بكل بساطة أحب كرة القدم وأضع الحجاب في الوقت عينه!». وتؤكد هاجر أنها لم تتعرض للمنع حتى الآن في أي مباراة ودية خاضتها مع ناديها وتأمل في أن يُلغى قرار منعه. الحوار مع الشابة التونسية قاد إلى مواضيع التمييز بين الجنسين والعنصرية بعد التفجيرات الأخيرة في باريس، وارتفاع منسوبها في الملاعب المحلية إلى درجة كان لا بد من إصدار قرارات جديدة من بينها منع تناول المشروبات الروحية داخلها وفرض عقوبات مالية وحتى حرمان مشجعيها من الدخول إليها في حالة إثارتهم أعمال شغب ورفعهم شعارات عنصرية تدعو للكراهية. ومن بين الداعين إلى تشديد العقوبات رسام الكاريكاتور غليوم فارت، مشجع نادي باريس سان جرمان سابقاً، وهو يقول في هذا الإطار: «لم أعد أحضر مباراة النادي لأن أعمال الشغب والشعارات العنصرية كرهتني بالملعب. لقد ولى ذلك الزمن الذي قال فيه الكاتب والروائي ألبير كامو إنّ ليس هناك مكان في العالم أشعر فيه بالسعادة مثل ملعب كرة القدم». يمضي البرنامج الوثائقي في جولته ويقابل مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة في حي شعبي من أحياء باريس ويسأل بعضهم عن الكرة ومَن يلعب معهم؟ تلخص إجاباتهم العفوية قدرة كرة القدم على تسهيل الاندماج والاختلاط بين البشر، بغض النظر عن لونهم وعرقهم، فالكرة بطبعها «كونية» ويجب أن تبقى كذلك.
مشاركة :