سمارة محمود سمارة * تعتبر الديون المعدومة أو القروض المتعثرة من القضايا الاقتصادية المهمة التي تشغل قطاع البنوك وحتى الشركات، لما تمثله من خطورة قد تؤدي إلى ارتباك في الاقتصاد القومي، وخاصة تأثير عمل البنوك وإضعاف قدرتها على تقديم الخدمات الائتمانية التي هي أهم مصدر أرباحهم. التعثر المالي الذي غالباً ما يوصل إلى دين معدوم هو نتيجة خلل ما في مسيرة المشروع، حيث هناك عدة أسباب لهذا التعثر، ويتخذ أسباباً وأشكالاً مختلفة. فالمشروع المموّل أو المقترض لأجله، تارة يتسبب بالتعثر سوء إدارة أو سوء تصرف في السيولة النقدية من قبل المقترض، كاستعمال الأموال المقترضة، وعلى سبيل المثال لأهداف شخصية خارجة عن استثمارها في المشروع، أو استثمار الدين في مشاريع أخرى خاسرة أو تراكمات أخرى كثيرة. في الواقع، أن تلك الأسباب لم تظهر فجأة، أو وليدة اللحظة ولكن نتيجة تداعيات وأسباب أفرزت هذا التعثر وعدم السداد الذي يتسبب بتحويله إلى دين معدوم لدى البنوك، ولم يكن البنك منتبهاً لها، مثل التباطؤ في حركة حساب العميل، أو المشروع المقترض والطلب على زيادة التمويل لنقص في السيولة النقدية، أو الالتزام في دفع تكلفة الإنتاج ونفقات التشغيل، أو ارتداد الشيكات المقدمة للتحصيل، أو تدني وانخفاض ربحية المشروع عما هو متوقع، ما يؤدي إلى عدم تغطية تكاليفه التشغيلية، كما أن ارتفاع نسبة المصاريف الثابتة إلى حجم المشروع، كل ذلك دلائل على أن التعثر بدأ، ويكون ذلك واضحاً من خلال البيانات المالية للشركة أو للمشروع، حيث تظهر نسبة الأصول المتداولة إلى إجمالي الأصول وتدهور نسبة السيولة النقدية. فإذا تنبه المدير المالي لخطورة التعثر من بدايته، وأدرك خطورته، وقام بتصحيح الخلل الحاصل بطريقة مهنية ناجحة، سينقذ المشروع من التعثر، ومن ثم إلى التصفية، أما إذا غفل عن ذلك واستهان بخطورته فيكون التعثر والعجز المالي أسرع. من هنا وجب على القائمين على إدارة البنوك التنبه إلى خطورة الأسباب المؤثرة في عملية التعثر والدافعة إليها، أما التجاهل والتهوين والتقليل فمن شأنها أن توقع البنك في ارتباك وآثار مدمرة، وخاصة إذا كثرت أزمات المشاريع الممولة. علماً بأن هناك مؤشرات سلبية كثيرة تظهر في القوائم المالية التي تقدمها الشركات لمشاريعها، سواء لتجديد التسهيلات البنكية، أو وفقاً لما قد يطلبه البنك لمتابعة موقف العميل الائتماني وقدرته التشغيلية، ومنها على سبيل المثال التالي: 1- زيادة نسبة المخصصات للديون المشكوك في تحصيلها سنة بعد أخرى. 2- تدني نسبة الاحتياطات للديون والبضاعة، وخاصة التي تزداد مدة تخزينها، وانخفاض معدل دورانها (أي بطيئة الحركة) والاحتياطات الضرورية الأخرى حسب طبيعة العمل. 3- المغالاة في تقييم البضاعة لتحسين المركز المالي للشركة. أما آثار التعثر المالي وعدم السداد فهي كثيرة ومتعددة، إن كان على طرفي العلاقة: البنك المقرض والمقترض، أو على الاقتصاد الوطني، لما له من انعكاسات متشعبة، اقتصادية واجتماعية وائتمانية، من جهة وقف المشاريع وتسريح العمال، ما يزيد معدل البطالة وزيادة مخصصات الدين المعدوم لدى البنك، وتقليص أرباحه إلى أن تصل إلى فقدان الثقة بسياسة التمويل عامة، ما يؤدي إلى عرقلة تمويل ناجحة وتأثيره في مناخ الاستثمار عامة، وهذا ينذر بكارثة عدم الثقة بين المقرض والمقترض. هذا عدا عن اللجوء إلى المنازعات القضائية، حيث تستغرق وقتاً طويلاً. فقد كان مصرف الإمارات المركزي متنبهاً إلى هذا الأمر، وقام بالتشديد دائماً في قوانين وإجراءات على المصارف لتوفير مخصصات مالية لازمة لمواجهة الديون المعدومة، والرقابة الفعلية على البنوك، ولإضفاء الثقة للبيانات المالية للبنوك. وحسب المصرف المركزي في دولة الإمارات فإن شطب الديون من سجلات البنك لا يعني توقف البنك عن مطالبة العميل بها عن طريق رفع دعوى قضائية للمبالغ الكبيرة، أو من خلال التفاوض وجدولة الدين بالنسبة للقروض الصغيرة وبطاقات الائتمان التي لها نصيب كبير من الديون المعدومة، وذلك حفاظاً على الحقوق. وقد قام المصرف المركزي أيضاً بإعلام البنوك بالتوجه إلى تقليص فترة العجز عن السداد إلى 90 يوماً، بدلاً من 180 يوماً للقروض ضعيفة الجدارة الائتمانية، وإلزامها باحتساب مخصصات عامة بنسبة 1.25% وقد بدأ العمل فعلياً بهذه التعميمات حفاظاً على الشفافية، والإفصاح عند نشر البيانات المالية للبنوك. لذلك تراجعت الديون المعدومة في دولة الإمارات كثيراً عن السنوات السابقة، نظراً للرقابة من قبل المصرف المركزي، وخاصة عندما طلب من البنوك وشركات الاستثمار والمدققين الخارجيين بالالتزام بتصنيف القروض، وتحديد مخصصاتها لأكثر مصداقية، وتحديد المسؤولية في السياسة الداخلية للبنك تقوم بمحاسبة المسؤولين عن الثغرات داخل البنك، والوقوف على أسباب التعثر وأوجه القصور والمسؤول عنه،ا ووفقاً لمبدأ الحيطة والحذر الذي تنص عليه مبادئ المحاسبة. ولما لهذا الموضوع من أهمية وانعكاسات على الاقتصاد الوطني، قامت اليابان بتأسيس (المؤسسة التعاونية للديون المتعثرة) للنظر ودراسة أسباب التعثر، وإيجاد الحلول، كما قامت فرنسا بإنشاء (بنك الديون المتعثرة) للأسباب نفسها. من خلال الإفصاح والشفافية في البيانات المالية الختامية من قبل البنوك التي من أهمها توضيح دقة الديون المعدومة، تكون خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح. المطلوب هو الرقابة الفعلية على أداء البنوك، والتأكد من حجم الديون المعدومة الفعلية، وتكوين المخصصات اللازمة والكافية لها، إضافة إلى إعداد تقارير دورية عن عمليات تحصيلها، لأن وجود أي تلاعب بهذه المخصصات يؤثر في سمعة الجهاز المصرفي، ويساهم في تضليل المساهمين. *خبير مالي - عضو جمعيةالمحاسبين ومدققي الحسابات
مشاركة :