ناظر يودع مصر بعد ثورة يناير ويكشف سر عندك حل

  • 7/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يصل الزميل تركي الدخيل إلى المحطة الأخيرة من كتابه "هشام ناظر.. سيرة لم ترو" متحدثا فيها عن عمل ناظر سفيرا في مصر، وعن نشاطاته ولقاءاته هناك، ثم عودته إلى الوطن بعد ثورة يناير 2011. انتخابات… وإخوان مسلمون يواصل هشام حديثه عن تلك المرحلة فيقول: لقد كان الحدث الأهم في مصر خلال نوفمبر 2005، هو انتخابات مجلس الشعب. في ذلك المجلس، الذي كان قد انتخب عام 2000، كان حزب الرئيس مبارك، أي الحزب الوطني، مهيمنا بأغلبية 388 مقعدا من أصل 444، أو 87.4%، وكان أعضاء الإخوان المسلمين فيه لا يتجاوزون الـ17 عضوا، تراجع عددهم بعدها لــ15 عضوا. حصلت الانتخابات على ثلاث مراحل، وانتهت بانتصار انتخابي لـ"الإخوان المسلمين"، الجماعة الدينية المحظورة، انتصار لم يحصل تحقيقه تحت مسمى "الإخوان"، بل تحت مسميات أخرى، أنجزها مستقلون معروفون. لم يكن هذا الانتصار ليؤدي بأي حال من الأحوال لتعبيد الطريق أمام الإخوان لتولي السلطة السياسية آنذاك، ولكنه، ساعد في حصولهم على ما كانوا يسعون إليه من اعتراف سياسي. كانت زيادة المقاعد التي حصلوا عليها -من 15 إلى 88 عضوا- أمرا مثيرا للعجب بلا شك. في ذلك الوقت، كان الحزب الوطني حاكما لسنوات عديدة، إلا أنه وخلال سنوات الحكم تلك، ابتلي بجملة أمور منها عدم الكفاءة، وعدم الوفاء بالوعود، والفساد. لقد كانت قيادته هرمة كفاية بما يجعلك لا تلحظ منه أي تجديد، إلا في حالات قليلة ونادرة، وهذا ما فسر فشل العديد من رموز الحزب في تحقيق حلم إعادة انتخابهم. حديث مطول مع مبارك يبدو رصد هشام ناظر المشهد المصري دقيقا. فماذا بعد؟! يجيب: "انقطعت متابعتي للمشهد المصري بعد مكالمة تلقيتها من وزارة الخارجية في الرياض، طالبة مني السفر عائدا إلى جدة لحضور اجتماع في 3 ديسمبر 2005 للتحضير للقمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة، المقرر عقدها في مكة المكرمة في يومي 7 و8 ديسمبر 2005. كلفت بمرافقة الرئيس مبارك، الذي وصل بعد ظهر الثامن من ديسمبر، وذلك بسبب متابعته خلال الليلة التي سبقت نتائج انتخابات جولة الإعادة النهائية. يومها، شكلت الرحلة مع الرئيس مبارك من جدة إلى مكة المكرمة ومنها، فرصة ذهبية للتباحث في مختلف موضوعات الساعة. كان واضحا وشفافا. فبالنسبة لنتائج الانتخابات، أكد مبارك أن "الإخوان المسلمين" استخدموا جميع الفرص المتاحة للفوز بما في ذلك أساليب الترهيب والسلاح، وأنهم استعملوا الدين في الانتخابات، وعبثوا بمشاعر الناس الدينية، قائلين لهم إن التصويت للآخرين هو تصويت ضد الله تعالى. واعتبر مبارك أن السبب الذي دفعه إلى مفاجأة الجميع بتعديل المادة الـ76 من الدستور، هو الخوف من اكتساب المتطرفين لثلثي المجلس، ذلك أن حصول هذا يعني بالضرورة سهولة ترشيح أي أحد منهم وتعيينه عبر استفتاء، رئيسا للجمهورية، وأن من شأن التصويت المباشر للرئيس، تأمين الوقاية من حصول هكذا احتمال. وأكد أنه لن يسمح أبدا، وعلى وجه القطع، للإرهاب بأن يعرض سلامة الشعب المصري للخطر، مشيرا إلى أنه على الذين يطالبون بإلغاء قانون الطوارئ المعمول به الآن، ومنذ سنوات عديدة، أن يسنوا أولا قانونا لمكافحة الإرهاب، وهناك أمثلة على ذلك، في كثير من الديموقراطيات الحالية، كالولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. يومها، وخلال رحلتي معه، تطرق الرئيس مبارك إلى سورية، مشيرا إلى أنه يشعر بالقلق والإحباط من السوريين، وأن الرئيس السوري بشار الأسد رجل ضعيف، يدير حكومة ما زالت تعيش في سبعينات القرن الماضي، وأنهم، أي الأسد وحكومته، من صنف الذين لا يستمعون لنصائح أحد أبدا، خاتما بالإشارة إلى أن مصر والمملكة مجتمعتين، ستقومان بفعل أي شيء لإنقاذ سورية، وهذا، على ما قال، يعتمد على ما إذا كان سيسمح لهم بذلك أم لا، وإلى أي حد سيسمح للقاهرة والرياض بالتدخل لإنقاذ دمشق. لقاء مع جمال مبارك يواصل هشام حديثه عن مرحلته التي لا تزال حديثة في مصر: "بعد رحلتي إلى جدة ومكة المكرمة، ومرافقتي الرئيس المصري، عدت إلى مصر، وبدأت الجولة الثانية من زياراتي للمسؤولين والسفراء. في السابع والعشرين من ديسمبر 2005، زرت جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، والنجم الصاعد آنذاك في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. يومها، كان واضحا أن النقاش الرئيسي سيدور حول نتائج الانتخابات. أثناء الحديث لم تختلف تحليلات جمال عن تلك التي كانت منتشرة في البلاد، سوى أن الناطق بها كان من داخل الحزب". في ذلك اللقاء، أبدى جمال اعتقاده أن المسؤولية تلقى على حزبه، بخصوص النتائج الباهرة التي حققها "الإخوان المسلمون"، متابعا، أنه وبصرف النظر عن التمويل الذي استطاعوا تأمينه، والخدمات الاجتماعية التي قدموها، والتنظيم الجيد الذي قاموا به، فإن ما يحسب لهم هو إخلاصهم لقضيتهم وإيمانهم بها أكثر بكثير من إيمان وإخلاص مرشحي الحزب الوطني لقضيتهم. وتابع جمال يقول: إن ما أضعف الحزب الوطني هو قيامه بترشيح أكثر من مرشح واحد في الأحياء، وقيام المرشحين بالترويج لأنفسهم أثناء الحملات الانتخابية، بدل الترويج للحزب، وهذا ما انتهى بهم إلى خسارة الكثير، والضد تماما مع ما فعله "الإخوان المسلمون" مع مرشحيهم. واصل مبارك الابن، القول بأن الإخوان هم جماعة انتهازية، وبأن مشاركتهم في مجلس الشعب ستزيل القناع عن وجوههم، وستظهرهم أمام المواطنين المصريين كما هم، على حقيقتهم. أثناء الاجتماع، وفي القسم الأخير منه، تطرقنا إلى وضع الأقلية القبطية في مصر، فأشار جمال إلى أن الأقباط يتمتعون بعلاقة جيدة مع الحكومة المصرية، وأن فيها وزيرين قبطيين حاليا، مع احتمال زيادة العدد في المستقبل، ولكن، تابع جمال يقول، بأن بعض المجموعات التي هاجرت منهم، عدوانيون، كاشفا أن هذا البعض يستغل السياسة الأميركية الحالية لتحريض واشنطن على مصر. وعند سؤالي له عن مراقبة القضاة للانتخابات، أجاب بأن هذا الأمر عرض القضاة لكثير من المصاعب، وأن عليهم، في الانتخابات المقبلة، الإشراف على الانتخابات لا مراقبتها". المقعد لكل أحد مقعد خلال وجوده في مصر، حرص هشام ناظر على جعل سفارة المملكة بيتا للكل، وصالونا ثقافيا يجتمع كثيرون فيه، لمناقشة مختلف القضايا، وهو بهذا، أراد وظيفة إضافية إلى عمل السفير، وتحويل العمل الديبلوماسي إلى عمل مختلف عن العمل التقليدي. وعليه، افتتح هشام "مقعد الأربعاء"، وهو صالون أسبوعي يستضيف كل أربعاء محاضرا، غالبا ما يكون سعوديا أو مصريا، ليتحدث في شأن يختص به، ويتفاعل الحاضرون بالنقاش والحوار والسؤال مع المتحدث. استضاف "المقعد" كثيرين، معارضين وموالين، ومثقفين وإعلاميين وكتابا ووزراء. يقول هشام عن المقعد: "أسست "المقعد" في بيت السفير، وجعلته منبرا لإبداء الرأي، ولم أكن أكترث أكان المتحدث والضيف معنا أم ضدنا، ومع الوقت تحول "المقعد" إلى منبر يتطلع أصحاب الرأي في مصر للحديث من خلاله، ويتطلع كل أحد يريد الاستماع، إلى حضوره. أيضا، لقد كنت حريصا يومها على دعوة أكثر النافذين المصريين والسعوديين، فاستضفت وزراء ومفكرين ورجال دين وصحفيين معروفين وشعراء كبارا، وكنت أقيم تكريما لآخرين، منهم على سبيل المثال لا الحصر، التكريم الذي أقمته لرئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود حافظ، لمناسبة بلوغه 98 عاما، وحضره مجموعة من العلماء والأساتذة وتكريم وزير الصحة المصري الأسبق أستاذ الجراحة الدكتور إبراهيم بدران، الذي ألقى محاضرة يومها. وأيضا استضاف المقعد على سبيل المثال أيضا، الدكتور سلمان العودة، وصحفيين معروفين. مصر الثورة والعودة للديار بتاريخ 25 يناير 2011 استيقظت مصر على ثورة. قبلها بأيام لم يستيقظ هشام ناظر مثلما كان يستيقظ كالمعتاد، بعد أن ألمت به وعكة صحية دخل على إثرها أحد مستشفيات القاهرة. خلال أيام الثورة الأولى سمح له الطبيب، تحت الإلحاح، بالخروج من المستشفى شريطة عدم مزاولة أعماله كالمعتاد، كي لا يصاب بأية مضاعفات أو عدوى، تؤثر على الاستقرار الهش لحالته الصحية، وبالتالي تعيده مرغما إلى المستشفى. يومها، تصادف خروج هشام مع كثافة في التظاهرات التي كانت تملأ ميادين مصر، والقاهرة تحديدا بمئات الآلاف، كما تزامن مع انهيار شبه كامل في الأجهزة الأمنية المصرية التي غابت عن أداء مهامها في حفظ الأمن في الأحياء والشوارع، وهذا ما عرض الاستقرار والسلام يومها للاهتزاز. لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل تجاوزته لتصل إلى انقطاع شبه تام للاتصالات، وهو ما أثر بشكل كبير على الاتصال والتواصل مع المواطنين السعوديين الذين كانوا موجودين في مصر آنذاك، والذين لم تكن أماكن إقامتهم معروفة لدى طاقم السفارة. هذه التعقيدات التي وقفت حجر عثرة في طريق هشام، لم تمنعه من بذل جهد في محاولة للبحث عن حلول عملية في ظرف شديد التعقيد. يقول هشام: "يومها، أشرفت شخصيا على استئجار فندق كامل من فئة الخمس نجوم باسم السفارة، لإيواء المواطنين السعوديين الذين اضطربت أمور كثير منهم مع الثورة. وبدأت مع زملائي، رحلة التواصل، بعدها، مع المواطنين السعوديين، عبر الفضائيات العربية، طالبا منهم التوجه إلى الفندق والإقامة فيه مجانا، موجها القائمين عليه بتوفير الخدمات كافة لهم، من دون أي تقصير أو تردد، على الرغم من عدم وجود الأموال الكافية لذلك على الإطلاق، أعني عدم توافر المبالغ المطلوبة لتغطية كل هذه النفقات والمصاريف المترتبة، بل مجرد وعد شخصي مني بالسداد. تزامنا مع ذلك، قمت بنقل جهاز السفارة كاملا إلى الفندق المذكور، مع الأختام والملفات الضرورية، لتسيير شؤون المواطنين دون أي تأخير، واتصلت بعدها مباشرة بالأمير فهد بن عبدالله بن محمد، المشرف على الطيران المدني في السعودية، وبالمدير العام للخطوط السعودية، ورتبت معهما تجهيز مجموعة من الطائرات المدنية لنقل السعوديين من القاهرة إلى كل من الرياض وجدة والظهران، على أن تكون عملية النقل بشكل متواصل ومستمر لحين الانتهاء من نقل السعوديين كلهم. إلا أن كل هذه الترتيبات لم تمنع حصول مشاكل، بعضها كان بالحسبان وبعضها لم يكن. فعلى سبيل المثال، وبسبب الاضطرابات الأمنية الحاصلة وتفلت الأمور آنذاك، لم يتوفر في مطار القاهرة العدد الكافي من موظفي الجوازات والخطوط والأمن والجمارك، لتسهيل شؤون المسافرين، والسبب كان يعود للصعوبات الكبرى التي كانوا يواجهونها أثناء مغادرة منازلهم، لغرض مزاولة أعمالهم في المطار، بفعل ازدحام المحتشدين المتظاهرين، أو بفعل الانفلات الأمني. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فلم تخل ملفات المسافرين أنفسهم من مشاكل واجهوا بها موظفي السفارة المقيمين في الفندق، إذ حمل بعضهم معه مشاكله الخاصة، كالزواج العرفي من مواطنات مصريات، مع أبناء بلا هوية سعودية، وهو زواج غير معترف به في السعودية، وكان عليّ أن أحل كل هذه التعقيدات، سواء في الفندق أو في المطار أو التعقيدات الشخصية، وذلك على مسؤوليتي، وأن أعطي الزوجات غير المسجلات رسميا، تأشيرات لدخول السعودية، بعد أن اتفقت مع وزارة الداخلية السعودية على تصحيح أوضاعهن بعد الوصول". إذن، كان على هشام ناظر أن يتعامل مع كل هذا، وأن يتابع راحة المواطنين وتأمين خدماتهم الشخصية، والاختلاط بهم في ساحة الفندق مستمعا إلى مطالبهم وشكاواهم. وها هو، رحمه الله، يروي قصة الحادثة التي انتشرت في الإنترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل كبير، واتخذت وثيقة ضده. هشام: "خلال قيامي بمتابعة راحة المواطنين وتأمين خدماتهم الشخصية، صادف وجود سيدة، أتت إليّ تسأل عن الاستعدادات التي قمنا بها، فأخبرتها بالتفصيل عما تقوم به السفارة وموظفوها المقيمون في الفندق، وعن أسطول الطائرات التي جهزتها السعودية لنقلهم، وطلبت منها التروي لأن عدد موظفي الجوازات في مطار القاهرة لا يحتمل استقبال هذا العدد الكبير من المسافرين، سواء أكانوا سعوديين أم من جنسيات مختلفة، كما أخبرتها عن العقبات التي قمت وفريق السفارة بتذليلها لتسهيل سفر المواطنين السعوديين، وبأن الطائرات سوف تصل تباعا حال ترتيبها من قبل السلطات المسؤولة في السعودية. قلت لها كلامي هذا وانتقلت للحديث مع مواطنين آخرين والإجابة عن استفساراتهم ومحاولة تلبية طلباتهم، إلا أن السيدة المذكورة، قررت أن تتبعني مرة أخرى، ومعها مصوروها، وكررت السؤال الذي سبق وأجبتها عنه، وبشكل استفزازي، أوحى لي بوجود نية مسبقة بالأذى، فسألتها إن كانت لديها حلول أخرى غير تلك التي وفقني الله إليها، وأكملت مسيري إلى غيرها. لاحقا، فوجئت بحملة شخصية تجاوزت كل الذي تقدم ذكره، اعتمدت في تحليلها على ذلك المقطع من الفيديو، ولم يحاول كاتب واحد ممن كتب في الموضوع بكل أشكاله السلبية، أن يتصل بي على الأقل مستفسرا عما حدث، حتى يكون في القضية نوع من التوازن، علما بأن عدد المواطنين الذين قمت بترتيب أمور سفرهم في تلك الظروف الصعبة، بلغ أكثر من 45000 مواطن سعودي، وهذا جهد يدعو إلى الفخر والإعجاب، ويشكر عليه طاقم السفارة الكرام. هذه القصة كما حدثت، منذ بداياتها إلى نهاياتها، أرويها للتاريخ، ولا أستهدف من قولها مصلحة خاصة أو مكسبا شخصيا، كما لا أستهدف فيها أحدا، أي أحد على الإطلاق، بل أقولها ليرتاح ضميري". هذه قصة هشام ناظر في جمهورية مصر العربية، محاورا ومثقفا ومستمعا ومناقشا، ومبحرا في نيلها، ساعيا على ترابها إلى خدمة بلاده حتى كانت النهاية مرتبطة بذيول الثورة.

مشاركة :